الرئيسة \  مشاركات  \  الشهيدة غنية حمدو من أوائل حرائر سورية في انتفاضة الثمانين

الشهيدة غنية حمدو من أوائل حرائر سورية في انتفاضة الثمانين

11.05.2015
يحيى حاج يحيى





الشهيدة غنية حمدو من أوائل حرائر سورية في انتفاضة الثمانين
يحيى حاج يحيى
هل سمعت ( بمرج الخوخة ) تلك القرية الغائرة في تلافيف الجبال و الذاكرة فلا يكاد يعرفها غير أهلها و من حولهم من سكان منطقة( الحفة ) في جبال اللاذقية.
من تلك القرية المغمورة المجهولة و أمثالها تفجرت ينابيع العقيدة بالبطولة و الأبطال .و في تلك القرية المغمورة المجهولة ولدت ( غنية ) لأبيها الذي لم يرغب عن قريته ، فعاش للشقاء و الكدح في سبيل تحصيل لقمة العيش لأولاده ..
و تدخل ( غنية ) مع أبيها مدرسة الأرض ، و تحصل على شهادة الكدح ، و تنال مكافأة الرضا .
و تعلو صيحة الجهاد تملأ السهل و الجبل : فيا خيل الله اركبي ، و يلبي شبابريف اللاذقية النداء ، و ينطلقون يثأرون لشرف الأمة ، و يذودون عن حمى العقيدة ...
هنا و على قمة الجبل امرأة جاوزت السبعين ، تسترجع ذكرياتها أحداثا واقعة حية ،تنظر إلى حفيدتها( غنية ) تروح إلى الجبل و تغدو تحمل إلى الأبطال الزاد و الخبر ،فتبتسم من وراء عينيها الغائرتين ، فها هي صبية من جديد، تتحرك بقلبها و نفسها مع حفيدتها ، تود لو أسعفتها القوة لتنضم إلى الركب ... ركب الجهاد..
و تحتمي ( غنية ) ببسمة جدتها من أراجيف المرجفين ، و تحذير المحذرين ، فتكون بسمة العجوز الغائرة أقوى في نفسها من كل الدعاوى و الأراجيف .. كانت إذا هددها المشفقون أجابت : لن يصلوا إلي إنني أريد الشهادة !!
أنت يا ابنة الريف ... من أغراك بهذا ؟! من روى لك حديث الشهادة ، و من أين سمعته ؟!!
و تسترجع ( غنية ) آيات من كتاب الله حفظتها من تلقين جدتها و أبويها : (( و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ))
و تمضي ( غنية ) بنت الثامنة عشرة ، كما مضت من قبلها ( أسماء ) تحمل علىعاتقها الزاد و الخبر ، راضية بما تعمل ، مبتسمة للنتائج كلما لاحت لبالها ، و تتبعها عيون المخبرين ، ترصد حركاتها ...
فتاتان في الثالثة عشرة ، وصبية في الثامنة عشرة يتحركن على طريق الجهاد تمضي الفتيات الثلاث في أشرف مهمة تقوم بها امرأة ، في عصر الشهداء . و تحاصر الأعين الخائنة الفتيات ، و تشعر (غنية) أن ساعة الحصاد ، قد اقتربت و أن المجرمين لابد قادمون . فتنطلق مع صاحبتيها إلى مغارة بعيدة عن القرية .
و يشتد الطلب على ( غنية) ، و تمر سبعة أيام بلياليها و ( غنية ) تحرس نفسها ورفيقتيها في مغارة في الجبل ثم لا يلبثن أن يتحولن إلى بيت في مزرعة قريبة .
و في فجر أحد الأيام ، تتوقف عقارب الساعة ، لترمق عشرات الرجال المدججين بالسلاح ، يحيطون بالبيت ، و تصوب عشرات البنادق من زنود الرجال ( لتتصدى)لامرأة و ( لتصمد) لبندقيتها !!
و يرفع أحدهم صوته مطالبا بالاستسلام ، فترد (غنية) عليه بطلقات صائبة ، فلا خوف و لا وجل و لا اضطراب . و تحتدم المعركة و تطول . غنية ترمي ، و صاحبتاها تملآن المخازن . و تمضي ست ساعات كانت طويلة رهيبة في القلوب المتقطعة .
و تدور سخريات شامتة من أفواه أهالي القرى المجاورة ، الذين كانوا يرقبون المعركة مشدوهين لبطولة الفتاة و صمودها ، و لعجز الجبناء و خورهم .
 و تبتسم (غنية ) للشهادة و تطبق أجفانها على الحلم و الأمل ، حين يخضب عنقها عقد عقيقي حلمت يوما أن يطوق عنقها في الجنة .
و تهوي اللبؤة ، و لا عيب فيها ، غير أن صمودها أذل الرجال ، يتوقف إطلاق النار ،و تستسلم الطفلتان ، و يدخل الجنود على جثث أصحابهم مزهوين بالنصر:
فليفخر الجيش العظيم بنصره و بكسرهنه
و ينطلق صناديد الأقبية ليبحثوا عن الرجال الذين كانوا يقاتلونهم طوال ست ساعات، فلا يجدون أمامهم سوى جثة فتاة لا حراك فيها .
و تحمر الحدق ، و يشتد الغيظ ، هل يكفي أن تستشهد (غنية) ؟ لا بد من الثأر للشرف و الكرامة و لو من الكوخ الذي نشأت في (غنية) . و يهرع المدججون بالسلاح لينهبوا كل ما في البيت الريفي الفقير من أثاث و متاع .
و تمتد يد الأم الثكلى لتخفي في ثوبها الفضفاض منديلا كان آخر ما طرزته يد(غنية) ، و يصرخ بها عتل زنيم : ماذا سرقت أيتها العجوز ؟ فتجيب أم غنية العجوز بسخرية بالغة : لسنا لصوص لنسرق منكم ما أخذتموه منا ، هذا منديل طرزته (غنية)أشمه فهو من رائحتها . و ترفع المنديل إلى أنفها ، و تعبق منه ريح الولد ، و ريح الشهادة ، و ريح الجنة .
و تمتد يد الزنيم لانتزاع المنديل ، فتتشبث العجوز به : لن أعطيه لكم و لو وضعتموني إلى جوار (غنية) .
فيطرق الزنيم رأسه ذلا لا خجلا ، و تنسكب على المنديل من عيني العجوز دمعتان حارتان .