اخر تحديث
الأحد-28/07/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
مشاركات
\ الشهيد عبد الوهاب مصطفى وذكريات انتفاضة الثمانين
الشهيد عبد الوهاب مصطفى وذكريات انتفاضة الثمانين
09.05.2015
يحيى حاج يحيى
بعد يومين من استشهاده وصلتني رسالته التي يقول فيها : أخي ! لم يبق أمامنا إلا المواجهة فإما النصر و إما الشهادة ؟!!
لتعود بي الذكريات إلى سنوات مضت ، عرفت فيها الشهيد معلما للرياضة تتناسب مهنته مع بسطة في جسمه ، و قوة في إرادته ! يحبه الجميع و يتمنى الخير للجميع ، و لم يكن يلزم نفسه مع أية جماعة ، و كانت بداية تعميق الصداقة بيننا لما عرض علينا جمع كلمة الدعاة في إطار ثقافي فكري مشترك ، فبدأ بدعوتنا إلى منزله ، و سارت الأمور حتى غدا هؤلاء الأحبة يدا واحدة و قلبا واحدا لُمست آثار ذلك في الانتفاضة و تفجر الأحداث في العاشر من آذار 1980 في منطقة جسر الشغور و ريفها!
كان رحمه الله ذا بصيرة نافذة ينذر و يحذر ، و يطالب بالحشد و الاستعداد لتكون هناك قوة ردع تتناسب مع قذارة المؤامرة التي يعد لها النظام ؟! و ما أكثر ما حذر أصدقاءه من التوسع في أمور الدنيا ، منذرا بأنهم يبنون لغيرهم ، و أنهم سيتركون ذلك لعملاء النظام و زبانيته من الحزبيين ؟! و هكذا كان ؟!
انتفضت المدينة و سقط عدد من الشهداء رميا بالرصاص في مكتب البريد الذي اتخذ منه المجرمون وكرا و مقرا للمحكمة الميدانية برئاسة عضو القيادة القطرية توفيق صالحة و المجرم الرائد هاشم معلا و مسؤول الحزب محمد أنيس . و نامت المدينة على الجراح ، و لكن نومها لم يطل فقد استجابت مرة أخرى للنداء الذي أطلقه الشهيدان صالح حسناوي و محمد ديرك لخوض جولة الثأر ، فالتحق الشباب المجاهد بالجبال و صعب على الشهيد عبد الوهاب أن يظل في بيته آمنا ، و إخوانه في الجبال ، فمضى إليهم يتفقدهم و يسأل عن حاجاتهم ! و لكن أحد المخبرين رآه ، فآثر أن يبقى مع إخوانه و قال : لأن أموت في الجبل خير من أن أموت في أقبية المخابرات !
فانطلق مع مجموعة من الشباب الجامعي المُهدد بمستقبله و حياته إلى قاعدة حدودية بين سورية و تركية ، يبذل الجهد في جمع الشمل و توعية المزارعين و إثارة حميتهم في الدفاع عن دينهم و بلدهم .
و كان لنا لقاءات ، أزوره في عرينه و أنظر إليه فأعجب من قوة و عظمة هذا الدين الذي يجعل شابا منعما وحيدا لوالديه ، ليس مطلوبا في ذلك الوقت ، و يملك راتبا محترما ، و لديه أرض زراعية تدر على أسرته خيرا وفيرا يترك ذلك كله و يلتحق بالمجاهدين ! و أذكر عند ذلك ما فعله الإسلام في نفوس الصحابة و قد آثر كثير منهم الحرمان على الغنى طالما أنهم يخدمون الإسلام ؟!
أقف معه عند إحدى القواعد ، و قد طبخ الشباب برغلا و وضعوا معه سلطة و لبنا ، فيأخذ بيدي محتدا و يقول : يا فلان ! كم نوعا من الطعام كان النبي صلى الله عليه و سلم يأكل ؟
فأقول : واحدا ..
فيشير إلى ما صنعوه و هو يردد : البرغل يُـكتفى أن يكون معه سلطة أو لبن ؟!
فآخذ بيده ، و أهمس : يا أخي أبا عارف ! هؤلاء شباب في مقتبل العمر ، و أجسامهم تحتاج إلى تغذية ، و لا تنظر إلي و إلى نفسك و قد دخلنا في مرحلة الهرم ..
و أمضي معه في ليلة شاتية ماطرة إلى أبي خالد الذي تحول من مجرد مهرب إلى مجاهد مؤازر ، و قد حصل على عدد كبير من البنادق الروسية التي كان حافظ أسد يمد بها اليساريين و الطائفيين في تركيا ، قبل انقلاب كنعان آفرين ، فإذا هم يبيعونها و يتخلون عنها لقاء بضعة مئات من الليرات لتكون من نصيب الشباب الثائرين !!
و لكن كيف الوصول إلى أبي خالد و قد فاض النهر الأبيض و لم يعد ساقية كما كان قبل أسبوعين
فأخلع قسما من ثيابي و أرفع بندقيتي فوق رأسي ، و يدخل أبو عارف بلباسه [ البنطال المصنوع من النايلون السميك ] أمامنا يمسك بي و بأحد الأخوة حتى نعبر ، و نمضي و قد لبسنا ثيابنا ، و هو مبتل الثوب و نصل و نستريح و لكنه لم ينتظر سوى سويعات ليعود إلى قاعدته رغم التعب و الجهد و البرد ، و كان ذلك اليوم آخر لقاء بيننا .
و في يوم الخميس 12 / 2 / 1981 يستعد الشهيد و قد كان صائما للقاء أحد المتعاطفين في منطقة بعيدة ، ليذهب وحده بسلاحه الفردي ، و لا يظن أن أحدا يرصده و قد مضى على وجوده أشهر عديدة ..
كان المجرم رفعت أسد قد أعد بعض زبانيته في سرايا الدفاع لمتابعة مجاهدي جبل الزاوية و جسر الشغور ، و يحضر أحد هؤلاء المرتزقة إلى قرية الحسانية الحدودية و قد وعد بخمسين ألف ليرة سورية إذا استطاع قتل عبد الوهاب !
و يشاء الله أن يمضي شهيدنا وحيدا بعد أن أقنعه الإخوة بضرورة الإفطار ، فالمسافة بعيدة ، و بعد أن أشاروا عليه بأن يحلق شعر رأسه ، و يشذب لحيته و يبدل ملابسه فمضى و كأنه ذاهب إلى عرس !
كان المجرم [ من آل غنوم ] قد أقنع بعض أقاربه للخروج إلى الصيد ببنادقهم فأجابوه و هو في الحقيقة يبحث عن أبي عارف ..
و يشاء الله أن يروا أبا عارف ، و هم يعرفونه فحاول تحاشيهم ، فلحقوا به فالتفت إليهم قائلا : يا ناس ! أنا عبد الوهاب ، و كان لسان حاله يقول : [ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار و ذلك جزاء الظالمين ] فابتعد عنهم و معه مسدسه و قنبلتان ، و ما ظن أنهم يطلقون النار عليه ، و لكن المجرم أطلق عيارات عديدة أصابت الشهيد في ظهره لتخرج من صدره ، و هوى عبد الوهاب فوق الأرض التي أحبها و أحبته ، و مضى المجرمون بعد أن نهبوا ما معه من سلاح و مال ..
و اتصلوا بأسيادهم الذين خيبوا ظنهم و لم يفوا بوعودهم ، فكان هذا العريف المشؤوم يردد : [ قتلنا واحدا من الإخوان و لم يعطونا شيئا ]
و يعلم المجرمون أن عبد الوهاب لم يكن يوما من الإخوان وهم الذين يشرفهم أن يُنسب إليهم مثله .
و لم ينل المجرم جائزته الموعود بها ، و لكن نال الخزي في الدنيا ، و لعذاب الآخرة أشد و أخزى.