الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشياطين في سورية

الشياطين في سورية

06.06.2015
فهد الخيطان



الغد الاردنية
الخميس 4/6/2015
مصير سورية في يد الإيرانيين والأتراك. تلك هي الخلاصة التي توصلت إليها بعد يومين من النقاش المستفيض في بيروت، مع ممثلين لكافة القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية.
ليس للسوري؛ نظاما أو معارضة، كلمة بشأن مستقبل بلاده. إيران بيدها أن تحيي وتميت النظام، وتركيا من تحدد خطوات المعارضة؛ تراجعا أم تقدما.
دور روسيا وأميركا كبير ومهم من الناحية السياسية، لكن عنصر الحسم ميداني، وهو بعهدة أنقرة وطهران.
الأولى تتبنى "جبهة النصرة" بشكل رسمي؛ تدعمها بالسلاح والمال، والمقاتلين. وهذه الأخيرة المحسوبة على "القاعدة"، بنت جسور التواصل مع "الجار" الإسرائيلي في الجولان، بشهادة مسؤولين أمميين هناك.
طهران تفعل الشيء ذاته وأكثر من أجل النظام، لا بل من أجل بشار الأسد. الإيرانيون يحرصون على تظهير هذه الحقيقة في حوارات الغرف المغلقة؛ "الأسد أولا وثانيا وثالثا"، يؤكد أكاديمي إيراني محسوب على الحرس الثوري.
والطرفان التركي والإيراني، ينكران الحقيقة الماثلة بعد خمس سنوات على الأزمة؛ لا منتصر في سورية، ولا مهزوما. طهران قدمت كل ما يمكن لضمان انتصار النظام ولم يتحقق الهدف. أنقرة، ومعها دول خليجية، ضخت الملايين في سورية، وجلبت المحاربين من أصقاع الدنيا، ولم تسقط الأسد. وكأن النصر محرم على الطرفين.
السوريون اليوم وقود في معركة الآخرين. مقاتلون على الجبهتين، ولاجئون في كل مكان، وضحايا بعشرات الآلاف، وثروات البلاد في يد إرهابيي "داعش".
الأميركي أصبح على قناعة بأن لا حل في سورية من دون تفاهم إيراني تركي. وبين الطرفين فجوة كبيرة، تحاول الدبلوماسية الأميركية تجسيرها بمشروع مبادئ أولية لإطار تفاوضي يمهد لمرحلة انتقالية.
كان من السهل التوافق على مجموعة مبادئ؛ وحدة سورية، رفض الجماعات الإرهابية، إشراك جميع السوريين في مؤسسات الحكم. لكن الشيطان في التفاصيل، وما أكثر الشياطين في سورية.
عادة ما تظهر الخلافات في الأجوبة عن الأسئلة المطروحة؛ هل الأولوية إسقاط النظام، أم محاربة "داعش"؟ وسؤال المليون منذ "جنيف 1": ما دور الأسد في المرحلة الانتقالية؟ يغادر مع بدايتها أم في نهايتها؟
لكن وسط صراع القوى على سورية، يسعى سوريون إلى بلورة مشروع ثالث، همه الأول مستقبل سورية، وليس مصالح الدول المتصارعة. مشروع واقعي إذا جاز التعبير، ينطلق من حقيقة جوهرية مفادها أن مشاكل سورية قائمة بوجود الأسد أو رحيله. والمخرج لتجاوز هذه العقدة بمقاربة مختلفة، تقوم على فكرة مرحلة انتقالية طويلة نسبيا، تتولى فيها حكومة تكنوقراط الصلاحيات كاملة، من دون استعجال الانتخابات العامة، لتجنب مصير ليبيا واليمن.
المشروع "السوري" يحوي على تفاصيل شاملة لكل مفاصل الأزمة السورية، وهو خلاصة جهد 600 خبير سوري في شتى الحقول. والمشروع يساوي بين "داعش" و"النصرة"، لا بل يعتبر كل مجموعة ترفض الانخراط في الحل السياسي جماعة إرهابية، بصرف النظر عن توجهاتها.
لا الإيراني ولا التركي متحمس لمشروع وطني سوري للحل. الروس أظهروا قبولا بالمشروع، فيما يفضل الأميركيون التفاهم الإيراني التركي على سواه من المشاريع.
لكن مثل هذا التفاهم ما يزال بعيد المنال. وأكثر ما يخشاه الحريصون على مستقبل سورية، أن ننتقل قريبا من مرحلة اقتسام السلطة في سورية، إلى اقتسام الأرض؛ أي تمزيق سورية إلى كيانات متصارعة، ومناطق نفوذ لقوى خارجية. شيء ما يشبه النموذج الصومالي.
سيناريو الفشل يخيم على سورية، والأشهر القليلة المقبلة تحمل تطورات كارثية. المتصارعون في سورية شياطين لم يرتووا بعد من الدم السوري.