الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصراع المسلح في سوريا اليوم

الصراع المسلح في سوريا اليوم

27.04.2014
مازن كم الماز


القدس العربي
السبت 26/4/2014
بتحليل قدرات قوات النظام والمعارضة في سوريا وتكتيكاتهما من السهل فهم التوازن الهش الحالي بينهما على الأرض كما يمكن التنبؤ بأن هذا التوازن سيستمر في المدى المنظور على الأغلب .. رغم التفوق الواضح لقوات النظام في القوة النارية والسيطرة المطلقة لسلاح جوه على كل الأجواء بما في ذلك المناطقالمحررة، يفتقد النظام قدرة الجيش الحر والكتائب الإسلامية على تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين الجدد وتعويض الخسائر البشرية بسرعة .. هذا التفوق البشري العددي، والانتشار الأوسع جغرافيا لقوات الجيش الحر والكتائب الإسلامية بحكم أنها ما تزال تضم قوات محلية تنتشر على أكثر التراب السوري، تتيح هاتانالميزتان للجيش الحر والكتائب الإسلامية القدرة على فتح جبهات جديدة في زمان ومكان غير متوقعين وانتزاع مكاسب على الأرض وإنزال خسائر بقوات النظام بفعل عامل المفاجأة … مع ذلك أثبتت تجارب بابا عمرو والقصير والقلمون أن النظام قادر جزئيا على استعادة أية منطقة من يد قوات المعارضة المسلحة إذا حشد ما يكفي من قوات من خلال عمليات عسكرية بطيئة تعتمد أساسا على الضغط الهائل على قوات المعارضة عبر كثافة القصف المدفعي والجوي مع تقدم بطيء للمشاة والدبابات، إلى جانب قدرة قوات النظام على فرض الحصار على المناطق التي يدرك جيدا صعوبة احتفاظه بها خاصة في المناطق الحساسة القريبة من العاصمة والساحل .. مع ذلك فإن نجاح مثل هذه العمليات ممكن فقط في مناطق محصورة جغرافيا كالقلمون والغوطة وحمص وبعيدة نسبيا عن خطوط إمداد المعارضة القادمة من الحدود الطويلة المفتوحة مع تركيا، مما يعني أن هذه الاستراتيجية صعبة التحقيق جدا أو مستحيلة في مناطق الشمال ما لم يطرأ تغيير جذري على الموقف التركي الرسمي من الثورة السورية ..
هناك في الشمال نجد قوات النظام في حالة تراجع أو دفاع ويحاول النظام تأخير تقدم المعارضة عبر حملات قصفه الوحشي خاصة على حلب وريفها .. بالمقابل لم يطرأ تغيير جدي على تكتيكات قوات المعارضة التي تعتمد أساسا على حرب المواقع، استراتيجية تقوم على التمدد داخل المدن والقرى في كل مكان يمكن فيه تحييد تفوق قوات النظام في الدروع والطيران والقوة النارية لانتزاع أرض جديدة والتمترس فيها بما يعني أن تصبح هذه المناطق هدفا لبراميل وقصف النظام الهمجي…
استراتيجية حرب المواقع هذه تكرس التوازن النسبي القائم على الأرض، عكس الضربات المفاجئة في كل مكان التي أدت إلى تحرير أجزاء واسعة من سوريا من سيطرة قوات النظام بما في ذلك المناطق المحيطة بدمشق نفسها في أواخر عام 2012… بينما تشهد المنطقتان الشرقية والشرقية الشمالية حالة من المراوحة بين داعش والنصرة وقوات الجيش الحر المحلية وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المتحالف مع النظام بحيث تبدو كأنها خارج الصراع العام خاصة بعد أن توازعت الكتائب الإسلامية السيطرة على حقول النفط هناك .. ورغم تزايد استهداف المدنيين، بشكل أساسي من قصف النظام وبراميله وأسلحته الكيماوية باعتبارهم هدفا سهلا استهدفه النظام منذ بداية الثورة كجزء أساسي من استراتيجيته لهزيمة واستئصال فكرة الثورة والتمرد من وعي السوريين، لكن استهداف المدنيين، سواء من النظام أو المعارضة لم ولا يمكن أن يؤدي إلى نتائج مؤثرة على الصراع، طبعا عدا عن مفاقمة معاناة السوريين والفلسطينيين العاديين، واستثمار تلك المعاناة دعائيا …
أخيرا يبقى من الضروري أن نعترف باولوية العامل الخارجي في الصراع اليوم بين النظام وقوى الثورة المسلحة، خاصة أنه هو أيضا يمر بمرحلة من عدم الحسم أو التردد سواء بين الغرب وروسيا أو بين إيران والسعودية .. يتجلى هذا في المشاركة الواسعة لميليشيات شيعية مختلفة إلى جانب قوات النظام وفي المعارك ضد داعش مع انطلاق جنيف 2 أو في التقدم الأخير لقوات المعارضة في حلب .. مع هذا التوازن النسبي للقوى المسلحة على الأرض، تدخل مقاومة السوريين مرحلة جديدة، صعبة إن لم تكن شديدة الصعوبة، أصبحت فاتورة قول لا باهظة جدا اليوم في سوريا، ومع تراجع تأثير السوريين العاديين على ما يجري في بلادهم والدور الحاسم للقوى السلطوية المتنافسة في إدارة الصراع على مصيرهم، وأيا كانت نتيجة الصراع المسلح، فإن نهايته ستعني فقط بداية فصل جديد في نضال السوريين العاديين من أجل حريتهم.