الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصفقة الروسية الأميركية

الصفقة الروسية الأميركية

26.09.2013
عبدالله عبيد حسن



الاتحاد
الاربعاء 25-9-2013
الآن وقد توصل الروس والأميركيون إلى عقد صفقة حول «الكيماوي» السوري الذي تتهم الإدارة الأميركية نظام الأسد باستخدامه في ضواحي دمشق ضد السكان المدنيين، مما أدى إلى وفاة نحو ألف وأربعمائة منهم، يبدو الرئيس الأميركي كمن يلتف على القرار الذي اتخذه بتوجيه ضربات ضد نظام الأسد، تنفيذاً لإنذار كان قد وجهه له إذا تجاوز «الخطوط الحمراء»، أي إذا ما استخدم الكيماوي.
ووفقاً للصفقة الروسية الأميركية، يتعين على سوريا نشر قوائم كاملة بمخزونها من السلاح الكيماوي، ويشمل ذلك أسماء ونوعية وكميات المخزون ومواقعها ومواقع مراكز البحوث والتطوير الخاصة بها. أما الخطوة التالية فهي وصول المفتشين الدوليين إلى سوريا في نوفمبر القادم لمواصلة عملهم. وعلى الحكومة السورية أن تسهل مهمتهم لتفتيش كل المواقع التي يريدون تفتيشها، كما يتعين عليها بعد ذلك أن تدمر وتزيل كل ما لديها من الكيماوي ومنشآته قبل منتصف عام 2014.
إن تفاصيل الصفقة أصبحت معروفة، وكذلك مواقف الأطراف الثلاثة، خاصة سوريا التي كانت حتى قبل أسبوعين تنكر استخدامها هذا السلاح المحرم دولياً، قائلة إنها لا تملكه أصلاً! لكن نظام الأسد أعلن ترحيبه الحار بالصفقة التي اعتبرها انتصاراً له!
وبهذه الصفقة تكون الدبلوماسية الروسية والأميركية قد حققت خلال بضعة أشهر إنجازاً يحتاج تحقيقه خمسة أو ستة أعوام من العمل المتواصل. والحقيقة أن العمل على هذه الصفقة، كما قال لافروف، قد بدأ في يونيو 2012 عندما التقى أوباما وبوتين على هامش قمة العشرين في المكسيك، واتفقا على تبادل المعلومات بصورة منتظمة حول «الترسانة السورية».
من حق الناس البسطاء الذين يحزنهم الحال الذي وصل إليه الشعب السوري المقهور، أن يتساءلوا: ما دام الأمر كذلك، وقد أثبت الواقع أمامنا أن مصائر السوريين بيد الروس والأميركان الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً وأحاديث وتهديدات، فلماذا تركوا الحرب الأهلية تطحن سوريا لأكثر من عامين؟ أم أن «تدخلهما» كان يحتاج أن يستعمل الأسد أو المعارضة السورية السلاح الكيماوي ليقتل ألفاً وأربعمائة مدني، حتى يتحرك القطبان ويعقدا صفقة تحقق مصالحهما الوطنية؟
لم يكن بإمكان الروس ترك نظام الأسد يسقط نتيجة طيشه وتهوره، خاصة أن سوريا هي آخر قاعدة لهم في الوطن العربي. لقد جاءتهم الفرصة السانحة عندما أعلن أوباما نيته توجيه ضربة للنظام السوري، ناسياً أن شعبه سأم الحروب والتدخلات العسكرية في الشرق الأوسط على غرار حروب بوش الابن. ولم تقتصر معارضة الحرب على الشباب الذين كانوا القاعدة الرئيسية لناخبي أوباما، بل شملت كذلك عدداً لا يستهان به من كبار السن في حزبه الموصوفين باليسار، وعدد كبير من الجمهوريين اليمينيين. لقد قدّمت روسيا لأوباما المخرج من مأزق صنعه بيديه، وذلك باقتراحها الذي أصبح «صفقة» حققت لروسيا «مصلحة» الإبقاء على حليفها الأسد، وضمنت لها السيطرة على الكيماوي الذي كانت تخشى وقوعه بأيدي المتشددين الإسلاميين ومنهم يصل إلى الشيشان.
إنها «لعبة دبلوماسية» بارعة حققت مصالح نوعية للأطراف الثلاثة، أما الشعب السوري فلم يتذكره أحد.