الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصفقة المثيرة ترجئ مصير الأسد

الصفقة المثيرة ترجئ مصير الأسد

24.09.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
الاثنين 23/9/2013
هكذا إذن وبإخراج دولي بارع متقن تواكبه عاصفة هائلة من وابل القصف الاعلامي العالمي تتبارى فيه كبريات شبكات التلفزة المرموقة واكثر الصحف والمجلات الذائعة الصيت ومواقع الانترنت التي تديرها أصابع المتلاعبين بعقول ومشاعر الرأي العام الدولي تم تسهيل فرار المتهم القاتل الفاشي الدموي من قفص الاتهام.
مساء السبت في 14 أيلول (سبتمبر) أطلعنا وزير الخارجية الأميركي على فحوى الاتفاق بين الفريقين الروسي والأميركي: أن يفتح بشار الأسد عنابره ومخازنه المكدسة بغاز السارين والخردل والـVX أمام لجنة دولية يوفدها الى سوريا مجلس الأمن ضمن الفصل السابع من قانون العقوبات الدولي، وهو الذي يجيز استعمال القوة العسكرية في حال التمنع أو المخالفة أو تكرار الفعل.
وما كاد "كيري" يعلن الاتفاق بحضور "لافروف" حتى انطلقت وسائل الاعلام تمطر الرأي العام العالمي بسيل من الاحتمالات والافتراضات والتوقعات وفي غالبيتها تصب في نقطة مركزية واحدة ألا و هي "متى يصبح بمقدور المفتشين الدخول الى مخازن السلاح الكيماوي والقيام بعملية المسح العيني والتثبت من المواد؟" و"ما هو مصير هذه المواد؟" وكيف السبيل لاتلافها؟" وبدأت من جديد تعمل "جوقات لا حصي لها من الخبراء أصحاب القدرة المشهود لها بالتكهنات للغو في الموضوع.
اللافت أن بنيامين نتنياهو طار الى جنيف لمباركة الانجاز النوعي التاريخي ذلك ان اسرائيل بدون طلقة واحدة تخلصت بفضل جنون الأسد وروحه الفاشية وحقده الأسود ضد شعبه، من مخزونه الفتاك.
واللافت أيضاً ان الرئيس الفرنسي هولاند في مقابلة صحافية بدا مصراً على أن يتضمن قرار مجلس الأمن بنداً عقابياً يصيب الأسد شخصياً علماً أن تقرير المراقبين الدوليين الذي جرى تسليمه لبان كي مون لم يشر الى الجهة التي ارتكبت القصف الكيماوي مداراة لادعاءات بوتين باتهام المعارضة بالقيام بهذا الفعل الشنيع. فيصبح كلام هولاند رضاً عن مبدئيته غير قابل للتنفيذ لأن موسكو عادت من جديد للتلويح للجوء للفيتو لتعطيل أي مشروع قرار يشتمل على استخدام القوة ضد الأسد ونظامه فما دام الأسد يسلّم مخزونه الكيماوي لم يعد من مبرر لاستخدام القوة الآن.
إن عقد مؤتمر جنيف2 سيتطلب بعض الوقت، ما دام المجتمع الدولي ومجلس الأمن سيكون منهمكاً في التفتيش والاحصاء والتقويم وصولاً الى مشكلة الاتلاف والتخلص مما يفصح عنه النظام الأسدي من مواقع التخزين وما قد يخفيه سراً يذهب بعض أصحاب النوايا السيئة أو المتشائمة للظن أنه جرى وما زال قائماً تهريب بعضه الى حزب الله في لبنان. وأغلب الظن ان مؤتمر جنيف2 لن يكون حاسماً حتى لو طالت جلساته، فالبعض يتحدث عن "المؤتمر الدائم لجنيف2".
ألم نلاحظ في الآونة الأخيرة تلك الحملة المحمومة المنظمة لتشويه سمعة المعارضة السورية كأن تنشر كبريات الصحف والمجلات الغربية صوراً مخيفة لتعذيب جنود نظاميين سوريين بل اعدامهم بقطع الرأس بحد السيف على مرأى من الناس؟ ("باري ماتش" في عددها الأخير الأسبوع المنصرم). ألم نلاحظ أيضاً كيف استطاع النظام الأسدي قبل ذلك في خضم المعارك قرب دمشق استدراج الجيش السوري الحر الى معلولا ذات التاريخ المسيحي العريق في هذا الشرق بقصد اثارة العالم المسيحي والفاتيكان، حول اعتداءات تعرضت لها الكنائس والأديرة والصلبان؟.
يدعّي الأميركيون أن ملف تزويد المعارضة بالأسلحة المتطورة قد اصبح في عهدة "البنتاغون"، وأن الأسلحة النوعية قد بدأت تعمل تباعاً تحت اشراف رئاسة أركان الجيش السوري الحر نفسه وهي الأدرى بطريقة توزيعها وتسليمها. ذلك ان هاجس وقوعها بين أيدي السلفيين التكفيريين الخ... يقض مضاجع أميركا والغرب.
لم يتأخر "بوتين" بتاتاً عن التصريح في خطابه الأخير بأن روسيا "ستملأ" الفراغ الناجم عن حل مشكلة السلاح الكيماوي والخلاص منه، بتزويد النظام الأسدي بأسلحة جديدة أكثر تطوراً في سبيل اعادة التوازن الاستراتيجي الى سابق عهده المزعوم.
على ضوء هذا العرض الزاخر بالخيبة والشعور بالفشل والاحباط بل المتخم بالريبة والشكوك وقلق التساؤلات كيف بوسع المرء العربي أن يقرأ مستقبل الأزمة السورية وأية توقعات جدية بالامكان مصارحة أنفسنا الآن؟.
لقد تمت تسوية ملف المجزرة البربرية التي ارتكبها النظام الأسد بحق الشعب السوري الأعزل حيث أباد في ثوانٍ معدودات ما يناهز 1400 من سكان الغوطتين، غير مبالٍ لا بأجهزة الرصد واستراق السمع والمراقبة في قاعدة "الروتيري" البريطانية في قبرص ولا بتلك التي سجلتها دامغة القطعة البحرية الألمانية قبالة السواحل السورية ولا بصورة الأقمار الاصطناعية التي تقطع بتورط النظام الأسدي بارتكاب متعمد للمجزرة. فقد امتصت الصفقة كيري لافروف أرواحهم ومهج نساء وأطفال وشيوخ أولئك الشهداء الأبرياء.
- ان النظام الأسدي يعد نفسه للبقاء والاستمرار، وهو مستعد لحضور جنيف2 وجاهز، رغماً عن ارتكابه كل الفظائع والمجازر وتنفيذ مخططات الابادة وترحيل السكان والنزوح والتهجير، في ظل معسكرات الاعتقال والتوقيف وزنازين السجون حيث التعذيب والتصفية والاعدامات السرية بل الميدانية أمام سمع وبصر البشرية جمعاء. فالحرب السورية مستمرة سواء انعقد مؤتمر جنيف2 أو لم ينعقد أو وصل الى طريق مسدود أو طال أمده لا فرق. النظام الأسدي يسعى لإطالة الحرب وليكن ما يكون! انه يتخلص من السلاح الكيماوي ليشتري استمرار الحرب لكنه ما زال، بعد اتمام الصفقة الروسية الأميركية، يلجأ للتلاعب والمراوغة ولكسب الوقت مبدياً تحفظات مريبة على اتلاف مخزونه الكيماوي.
- لقد شكل ضعف المعارضة التي لم تستطع في المرحلة الماضية قيادة المرحلة ثغرة خطيرة تفسر عملياً بعد مرور سنتين ونصف من المعارك وما لا يوصف من المعاناة والصبر والتضحيات، عدم القدرة على اسقاط النظام الفاشي الأسدي الغاشم.
إن قوى الثورة المضادة قد عاينت هذه الثغرات ووعت أهميتها فاستجمعت قواها للنفاذ من خلالها واستدعت احتياطييها من حرس ايراني الى حزب الله وسائر الحلفاء، وها هي تعيد تجميع قواتها من جديد بعد انحسار "عاصفة الضربة العسكرية" لخوض معارك مفصلية جديدة لتفرض شروطها داخل أروقة جنيف2 وخارجها. هذا والمعركة مستمرة.