الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصفقة مؤجلة ودونها فوضى ما سيأتي

الصفقة مؤجلة ودونها فوضى ما سيأتي

07.04.2018
ماجد الشيخ


الحياة
الخميس 5/4/2018
وكأن كل الرزايا والمحن تلتقي على سطح واحد، حيث يتناغم وينتظم مسلسل التصفية لقضية الشعب الفلسطيني الوطنية، وهو الأبعد ما يكون ممّا يسمى التسوية، تسوية يسعى العديد من الأطراف الإقليمية والدولية الى تمريرها رغماً عن الطرف الفلسطيني قيادة وشعباً، وعلى حساب الهدف المركزي للحركة الوطنية الفلسطينية في دحر الاحتلال، واستعادة الوطن وإحقاق الحقوق الوطنية لشعب يفتقد سيادته واستقلاله فوق أرض وطنه منذ سبعين عاماً.
إلا أن ما يسعى إليه التصفويون لا يتعدى هدف إبقاء الاحتلال جهراً، والتفريط بالوطن الفلسطيني كله تحت قناع حكم ذاتي يجازف كثيرون بتسميته "دولة على حدود العام 1967"، وحتى في حال تحققها كما يحلمون، فهي لن تلبي أياً من طموحات الشعب الفلسطيني في أي بقعة من فلسطين التاريخية، كما ولا طموحات الموجودين في الشتات والمنافي القريبة والبعيدة.
قناع الدولة ليس حلاً، فيما استعادة وطن الفلسطينيين هي الحل الأمثل للفلسطينيين كشعب صاحب قضية، "نجح" بعضهم في تحويل هذا الشعب إلى أشتات لم تعد تعرف من يقود كفاحاتها، وتفتقد فيهم روح التطلع نحو الحرية للتخلص من الاحتلال، من دون الانحياز إلى علاقات زبائنية معه؛ تطبيعية واقتصادية وأمنية، ومصالح ومنافع متبادلة، حتى في ظل التواطؤات الكولونيالية الدولية في التجرؤ على المقدس الديني والوطني، وفي عجز المواقف الإقليمية وتواطؤها هي الأخرى مع كولونيالية الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني.
أبرز ما تتم التوطئة والتمهيد له الآن، بعد "قرار القدس الترامبي"، واعتزام نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بالتزامن مع ذكرى النكبة، مباشرة تنفيذ والعمل على "صفقة القرن" وخطتها السياسية الهادفة إلى تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني رغماً عنه وعن قياداته، وتجاوزها إن لم تستجب للطلبات الأميركية، بتحويل القضية الوطنية من قضية سياسية وحقوقية وقانونية، وتجزئتها إلى حلول "إغاثية" و "إنسانية"؛ من قبيل اعتزام الإدارة الترامبية البدء بعقد لقاءات للدول المانحة، بهدف توفير التمويل لمشاريع سمّيت "حيوية" و "إنسانية" في قطاع غزة، كما إنها تخطط للعمل هناك بمعزل عن السلطة الفلسطينية وعن سلطة "حماس" في الوقت ذاته.
ولهذا الغرض تعمل الإدارة الأميركية ومصر وإسرائيل، على إنشاء لجنة مشتركة للقيام بمهام "إنسانية وإغاثية" في قطاع غزة، تتجاوز السلطة الفلسطينية، وتنسق ميدانياً مع مؤسسات أميركية ذات علاقة مع مؤسسات أهلية في القطاع. على أن تدير مصر هذه اللجنة ميدانياً بالتنسيق مع إسرائيل، لإقامة مشاريع إنسانية وإغاثية، لضمان استمرار الهدوء في غزة، وتجنب كارثة إنسانية محققة، ولمنع خوض غمار حرب جديدة مع إسرائيل، في حين نقل عن مسؤول فلسطيني أن هدف مثل هذه اللجنة العمل بالأساس على تحجيم أي دور إقليمي آخر، واستعادة مصر لدورها في الملف الفلسطيني، بعد ما تسرب عن تجاهل الإدارة الترامبية لها في ملف "صفقة القرن".
وفي هذا السياق، ينطوي التأني الأميركي في مباشرة العمل على الخطة السياسية، انتظاراً لما يمكن أن تحمله مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني من معطيات، قد تسهل عليهم طرحها من دون تعقيدات أو معوقات تحد من انطلاقتها بشكل أكثر سلاسة. لذلك، يعمد الأميركيون في رهانهم على عامل الوقت، من أجل إنضاج طبخة حصى الصفقة، تحضيراً لتكتيل مجموعة "بديلة" يتم تطويعها للقبول بالتعاطي الإيجابي مع بنودها التي باتت أكثر انكشافاً، بعد حسم معظم قضايا المفاوضات.
على الصعيد الإسرائيلي، وعلى رغم الانشغال بقضايا الفساد المتهم بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والحديث المتواصل عن إمكان حصول انتخابات مبكرة، فلا تعدم هذه الحكومة من يعبر عن مواقفها النهائية المتطرفة، بعيدا عن المساومات والمفاوضات التي لم يعد فيها أي جديد يذكر، فالتسوية التي يعمل عليها الإسرائيليون، كما تلك التي تعمل عليها الإدارة الترامبية وصفقتها الموعودة، ويوافق أو يتوافق عليها ومعها وضع إقليمي هش ومهترئ، لا تزيل أياً من المستوطنات المقامة في الضفة الغربية، بقدر ما منح القرار الترامبي في شأن القدس، المزيد من فرص إقامة مستوطنات جديدة، ضمن مخططات السلطات المحلية والبلدية في قلب المدينة، وفي كل أنحائها.
كل هذا في إطار تسوية تصفوية، وما يُجرى على الأرض سلفاً ومسبقاً، هو جوهر ما سيناله الفلسطينيون من حكم ذاتي محدود الصلاحيات، وفق ما عبر عن ذلك مؤخراً وزير الإسكان يوآف غالانت، من أن أقصى ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل هو حكم بلا سلطة، وسلطة بلا حكم؛ وذلك كنهاية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، وبما يضمن ما سمّاه "تحقيق خريطة مصالح إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة"، بمعنى اعتماد كيان الاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي على "تطبيق رؤية جغرافية جديدة، تهدف إلى تهويد الضفة الغربية وتحديداً غور الأردن، من خلال التوسع في بناء المستوطنات في هذه المنطقة، بما يلبي الاحتياجات الأمنية والسياسية و "السيادية" وتعيين الحدود النهائية مع الأردن، ووضع حد لحلم المشروع الوطني الفلسطيني في الاستقلال والسيادة في إطار دولة – حلم يتجاهلها الإسرائيليون كما الأميركيون في صفقتهم الموعودة.
وكان غالانت قد فسر رؤيته هذه، التي تتطابق مع الرؤية الأميركية تجاه إيران، بالقول: أن الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص غور الأردن تمثلان "طبقة الحماية التي تضمن أمن إسرائيل في مواجهة التحولات الدراماتيكية التي تحدث في العالم العربي، وتحسن من قدرتها على التصدي للخطر الإيراني الذي يتسع مع الوقت، وهذا ما يوجب على إسرائيل الحفاظ على هذه المنطقة بشكل مطلق ودائم".
وفي ترجمة واضحة لـرؤية "الجغرافيا الجديدة" في تساوقها مع تلك الخطة العشرية للاستيطان المكثف والمتسارع، تحت ظلال "خطة صفقة القرن" الترامبية، وما حازته من دعم وإسناد إقليميين، باتت المشاريع الكبرى للاستيطان تهدف لتحقيق "أهداف مليونية" على امتداد المناطق الفلسطينية المحتلة وبضمنها مدينة القدس، في محاولة لاستيعاب ما قد يفوق خمسة ملايين مهاجر يهودي في الضفة الغربية والقدس، لإغراقها بالمزيد من المستوطنين، وزيادة حاصل الجمع والمخططات التهويدية للمقدسات وللمناطق التي لم يجر تهويدها بالكامل بعد.
وفي انتظار وضع أحجار الأساس لصفقة القرن الترامبية، ستبقى تلك الصفقة تتأرجح بين انتظارات عديدة، ليس أولها التأجيل حتى "نضوج" و "استواء" الأطراف المعنية، أو غياب بعضهم، والاصطفاف خلف "الراعي الأميركي الوحيد"، وليس آخرها انتهاء أزمات الفوضى غير الخلاقة، وما قد تسفر عنها في واقع فلسطيني وعربي وإقليمي بائس. في وقت تمضي حكومة اليمين المتطرف في تدبير وتطبيق إجراءات "صفقة القرن" بشكل أحادي، واحتكار كامل الصلاحيات الأمنية في كل المناطق الفلسطينية، وصولاً إلى منطقة الأغوار والحدود مع الأردن، في ظل موافقة ضمنية من الجانب الأميركي الذي لم يعد يعترض على أي إجراءات إسرائيلية، كما كان الحال في ظل الإدارات الأميركية السابقة، فما يُجرى اليوم إنما يتم بتشجيع معلن، وبتوفير مسوغات "قانونية"، وخلق إجماع دولي يتوافق على تنفيذ تدرجي لسياسات "صفقة القرن" المعادية أصلاً وفصلاً لقضية الشعب الفلسطيني وكامل حقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حقه الطبيعي في استعادة وطنه التاريخي، لا الوقوف عند "دولة موقتة" في غزة، أو عند دولة الحكم الذاتي المحدود، أو "دولة حدود العام 1967" التي ابتلعها الاستيطان بقضها وقضيضها.