الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصين في سوريا.. دبلوماسية الصندوقين!

الصين في سوريا.. دبلوماسية الصندوقين!

22.04.2020
علي حسين باكير



سوريا تي في
الاثنين 21/4/2020
في إطار الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا في سوريا، قامت الصين الأسبوع الماضي بتقديم مساعدات إلى ممثلي نظام الأسد. حوالي عشرة أشخاص من بينهم مسؤولون صينيون وسوريون يتقدّمهم سفير الصين في سوريا ونائب وزير خارجة نظام الأسد فيصل المقداد بالإضافة إلى مساعد وزير الصحّة اصطفّوا جميعاً أمام صندوقين صغيرين تمّ إنزالهما من الطائرة وقيل أنّهما يُمثلان المساعدات المخصّصة من الصين إلى سوريا قبل أن يتم رشّهما بمواد التعقيم والتقاط صورة تذكارية للحدث!
أثار الموضوع سخرية كثيرين، فالصين العظيمة التي تُعبّر دوماً عن حرصها على دعم النظام أكبر من أن ترسل صندوقين بحجم كيسي أرز كبيرين. لكن من الواضح أنّ الغرض الأساسي لبكّين لم يكن تقديم مساعدات بقدر ما كان إقامة حفلة علاقات عامّة، فأجرة الطائرة التي أقلّت هذه المساعدات أكبر بكثير من كلفة الصندوقين اللذين تمّ إنزالهما من على متنها.
بكّين استدركت الوضع وقالت إنّه سيتم إرسال دفعات إضافية فيما بعد، لكن هل سيغيّر ذلك من صورة الصين؟
بالنسبة إلى شريحة واسعة من السوريين، الصين لا تختلف كثيراً عن إيران وروسيا. صحيح أنّها لم تشترك بشكل مباشر عسكرياً على الأرض، لكنّ كثيرا من قراراتها السياسيّة سواءً في مجلس الأمن أو على المستوى الثنائي حمت نظام الأسد وأدّت إلى قتل السوريين. في أحدث المفارقات المتعلّقة بالحديث عن المساعدات الإنسانية، قامت الصين في ديسمبر ٢٠١٩ ويناير ٢٠٢٠ باستخدام الفيتو مرّتين لمنع دخول المساعدات الإنسانية الأمميّة من معابر الدول المجاورة لسوريا إلى النازحين والمحتاجين داخلياً!
عندما يتعلق الأمر بالدور الصيني في سوريا، هناك نزعة غير مفهومة عند البعض لتضخيم هذا الدور. وإن كان مفهوماً أن يقوم نظام الأسد بهذا الأمر نظراً لحساباته السياسية التي تستند إلى تعظيم دور إيران وروسيا والصين، ومحاولة الاستفادة من ذلك في استجلاب دور موازن من قبل لاعبين آخرين، إلاّ أنّه من غير المفهوم أن تقوم جهات أخرى بنفس الأمر.
قيل كثير وكتب أكثر عن أهمّية متخيّلة لسوريا في استراتيجية الصين الاقتصادية وفي السياسة الخارجية للبلاد. لكن باعتقادي، تختزل "دبلوماسية الصندوقين" هذه قيمة سوريا الحقيقية في الحسابات الصينية وحجم التضخيم المفتعل من قبل أطراف عديدة لقيمة سوريا بالنسبة إلى الصين أو دور بكّين في سوريا. على سبيل المثال، كل ما تمّ الترويج له سابقا عن دور عسكري مفترض للصين في محاربة الإيغور في سوريا تبيّن أنّه للاستهلاك الدعائي وللاستفادة من الترويج لدعاية محاربة الإرهاب.
الموضوع الأكثر تداولاً في الآونة الأخيرة هو دور الصين في عملية إعادة الإعمار، لكن لا شيء يوحي حقيقة بإمكانية أن تدخل الصين معركة إعادة الإعمار في ظل استمرار الأزمة السورية. هذا أمر غير وارد باعتقادي لأنّ بكّين لن تضحي بمليارات الدولارات دون أن تعلم مصيرها، كما أنّها لن تخاطر بمعدّاتها ومستخدميها ومواطنيها في ظل استمرار القتال في مناطق مختلفة من البلاد. علاوةً على ذلك، فانّ هناك تنافساً إيرانياً - روسياً لناحية أكل الكعكة السورية والسيطرة على مقدّرات البلاد الاقتصاديّة وهذا لا يخفى على أحد.
أي دور صيني متعاظم في هذا الجانب، سيجعل بكّين خصماً تنافسياً لكل من إيران وروسيا في سوريا ويحوّلها بالتالي إلى هدف مشروع للطرفين على اعتبار أنّها ستستقطع من حصّتيهما وليس من حصّة أي طرف آخر، وهو ما لن تغامر الصين به لا سيما في هذه الظروف التي تضعها في خصومة مع عدد كبير من دول العالم على خلفية جائحة كوفيد-١٩.
أمّا فيما يتعلق بدور سوريا في مشروع الطريق والحزام، فعدا عن كون المشروع تلقى ضربة قاسية مع تحوّل الفيروس إلى جائحة والمشاكل التي أثارها بين الصين وعدد من الدول، خاصّة الأوروبيّة منها، على خلفيّة استغلال بكين للأزمة لزيادة نفوذها لا سيما في إيطاليا، فإنّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تلوح بالأفق من شأنها أن تبطئ أي تحرّك مرتقب على المستوى الإقليمي.
أهمّية سوريا من الناحية البحرية بالنسبة للصين شبه مصادرة تقريبا من قبل كل من إيران وروسيا مرّة أخرى حيث يسيطر الطرفان على المرافئ البحرية للبلاد، وهذا لا يترك مجالاً للصين للاستفادة من إطلالة سوريا البحرية ولذلك، فإنّ استثمار بكّين الأكبر هو في ميناء طرابلس في لبنان وليس في سوريا. هذه المعطيات جميعها، تُفسّر حجم ما يسمى بالمساعدة الصينية التي تمثّلت في صندوقين صغيرين، حيث تركّز الاستثمارات الصينية الآن ومعها بروبغندا البلاد في أماكن أخرى مختلفة تماماً يعتقد الصينيون أنّهم قادرين على تسجيل نقاط فيها.