الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الضاحية الجنوبية تجتاز الـ 2013 ببحر من الدماء.. والقهر والذل

الضاحية الجنوبية تجتاز الـ 2013 ببحر من الدماء.. والقهر والذل

04.01.2014
علي الحسيني


المستقبل
الخميس 2/1/2014
كان قد مرّ على الضاحية الجنوبية سبع سنوات تقريباً على آخر استهداف لها عقب حرب تموز العام 2006 التي نشبت بين إسرائيل و"حزب الله" قبل أن تعود وتُصبح هدفاً لاعتداءات متكررة ومتلاحقة استهدفت أمنها وناسها، ونقطة مركزيّة منها تنطلق الارتكابات والتجاوزات حتى بدت وكأنها تغرّد خارج السرب أو أشبه بمعسكر خلف حدود الدولة وزمانها له قوانينه الخاصة في الموت كما الحياة.
كان العام 2013 مؤلماً ومُفجعاً على ضاحية بيروت الجنوبية وأهلها ولم ينزل عليهم برداً ولا سلاماً لكثرة المحطّات الدامية التي شهدتها لدرجة كاد أن يتوقف فيها الزمن أكثر من مرّة ليُعلن موتها، كانت صرخات الموت الآتية من خلف الحدود مُبكية وموجعة رافقها ظهور متجدد لشبح الخطف والموت الذي أخذ يتنقل من منطقة الى أخرى ومن شارع الى آخر، ليحوّل ليلهم الى رعب ويلوّن نهارهم بلون الدم لذنب وحيد اقترفوه أنهم سكنوا منطقة هجرها الله بعدما وضعوا اسمه في غير محلّه ومن دون رضاه.
في منتصف العام الحالي الذي أصبح على وشك أن تُنزع آخر أوراق روزنامته، كانت الضاحية على موعد مع دخولها في حلبة الصراع الإقليمي كرد فعل على تدخل "حزب الله" كطرف أساسي في الحرب السورية. الموعد بحد ذاته لم يكن مُفاجئاً لكثيرين ومن بينهم الحزب نفسه، والذي كان يُدرك جيداً أن كأس الألم الذي يُذيقه للمواطنين السوريين العُزّل بما فيهم من أطفال ونساء سوف يأتي يوم وتتجرّع منه بيئته لكنه وبدل أن يُحصّن هذه البيئة من خلال خطوات عدة تمنع وقوع الأسوأ ومنها الانسحاب ولو بشكل جزئي من سوريا، راح يُدعّم جبهاته هناك ويُرسل عناصره تباعاً مساهماً في تعميق الجراح ونزيف الدماء.
أولى الارتكابات التي وضعت الضاحية الجنوبية في عين العاصفة الإقليمية هذا العام تمثلت بخطف الطيارين التركيَّين اللذين يعملان في الخطوط الجوية التركية على طريق المطار أثناء توجههما إلى أحد فنادق بيروت، على يد أهالي ما سبق وعُرف بمخطوفي أعزاز تحت اسم مجموعة "مختار الثقفي" للمبادلة بهما ليتبين لاحقاً أن العملية تمت بغطاء من قوى الأمر الواقع وتحت إشرافها خصوصاً أن المعلومات تحدثت عن وضعهما أثناء الاحتجاز داخل أحدى المباني في الضاحية حتى اللحظة الأخيرة التي فصلت عن الإفراج عنهما وقد تمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من توقيف بعض المتورطين في العملية لتعود الدولة اللبنانية وتُفرج عنهم ضمن عملية تسوية أدارها الحزب وأدت الى إطلاق سراح مخطوفي أعزاز.
بعد هذه الحادثة، ازدادت الأمور سوءاً في الضاحية وانفلتت فيها الأوضاع الى حد كبير، تخللها جرائم وسرقات ما زالت دوافع بعضها مجهولة حتى اليوم الى حين حصول اعتداء تمثل بانفجار سيارة مفخخة في منطقة بئر العبد كانت مركونة داخل مرأب للسيارات، الأمر الذي حدّ من وقوع الخسائر، والغريب أنه وبدل أن يُجري "حزب الله" مراجعة لحساباته ومواقفه لجهة دعم النظام السوري راح يزيد من تعميق الشرخ بين البيئة التي يُسيطر عليها وبين النازحين السوريين من خلال إلقاء القبض عليهم واستجوابهم وترحيل معظمهم عن الضاحية تحت حجة انتمائهم للمعارضة السورية، ورغم أن اعتداء التفجير هذا كان الأول من نوعه منذ سنوات طويلة إلا أنه لم يكن الاعتداء الأول على الضاحية إذ سبقه بفترة قصيرة عملية إطلاق صواريخين سقط أحدهما عند خط صيدا القديم ليتهم الحزب حينها جهات سورية وأخرى فلسطينية كانت جمعته بها حلف استراتيجي لفترة من الزمن.
على اثر انفجار بئر العبد دخلت الضاحية الجنوبية في مرحلة جديدة من التحديّات وأصبحت مستهدفة بأمنها وناسها، مرحلة مُخيفة وصعبة شكّلت حرباً مفتوحة عنوانها الأبرز "السيارات المفخخة"، الهدف هذه المرّة منطقة الرويس، سيارة جديدة محملة بمئة كيلوغرام من المواد المتفجرة خلّفت وراءها عشرات الضحايا ومئات الجرحى في مشهد عاد ليرسم صورة مختصرة عن الحرب اللبنانية والفاعل هذه المرّة مجهول أيضاً لكن الاتهامات تعددت، جزء من اللبنانيين حمّل النظام السوري المسؤولية، وجزء آخر يمثله حمّلها لجهات تكفيرية ومحليّة، لكن وحدهم أهالي الضاحية كانوا على موعد مع الموت، شهداء حروب الغير يسقطون في منازلهم وعلى الطرق أثناء عودتهم من أشغالهم، وقتلى يسقطون في سوريا يتوافدون داخل نعوشهم بشكل يومي الى المنطقة المنكوبة في ظل غياب تام عن السمع لقوى الأمر الواقع.
بعد التفجيرات حاول الحزب المسيطر التخفيف من نقمة واستياء أهالي الضاحية مستعيناً هذه المرّة بخطة أمنية أطلق عليها اسم "الأمن الذاتي" لكن سرعان ما أثبتت هذه الخطة فشلها بعدما وصل الوضع الاقتصادي والمعيشي في المنطقة الى حد لا يُطاق ومعها بدأت صرخات الأهالي تتعالى رفضاً لتسكير الطرق والحواجز الثابتة التي زرعها الحزب عند أطراف الضاحية وفي داخلها والتي قام عناصرها بممارسة أسوأ أنواع التسلط بحق السكان حتى أطلق عليها "حواجز الذل والقهر" إضافة الى القتل يوم عمدت مجموعة من هؤلاء العناصر الى قتل الشاب الفلسطيني محمد السمراوي عند أبواب مخيم برج البراجنة أثناء مرور موكب عرس، الأمر الذي كاد ان يُشعل فتيل حرب بين أهالي الضاحية وسُكان المخيّمات الفلسطينية.
زاد "الأمن الذاتي" من نقمة الأهالي على "حزب الله" وحواجزه، وكثرت الشكاوى بحق العناصر. وتحت وطأة الضغط المتواصل قررت قيادة الحزب تسليم مهام الأمن للقوى الشرعية اللبنانية من جيش لبناني وقوى أمن داخلي وكذلك من الأمن العام، ويتنفس أهالي الضاحية الصعداء، البذلة "الكاكية" للمرة الأولى في مناطق بقيت محرّمة عليها لأكثر من ثلاثين عاماً، لكن ما كان ينقصهم أو يُنغّص عليهم عيشتهم هو استمرار تدفق القتلى الى مناطقهم، فالمدافن لم تعد تتّسع لمزيد من الشبان، وصور القتلى تكاد أن تحجب نور الشمس بعدما توزّعت على الشرفات وأعمدة الإنارة وواجهات المحال التجارية والمباني ومع هذا بقي الحزب متمسكاً بالدفاع عن نظام بائد تحت حجّة الذود عن المقامات المقدسة، وفي محاولة إضافية منه لإدخال الطمأنينة الى قلوب سكان الضاحية أشاع في الفترة الأخيرة خبر تفكيكه عبوة كبيرة معدة للتفجير كانت موضوعة داخل سيارة في محلّة المعمورة.
بعد أن وصلت كل الأمور الى مرحلة صعبة وبعدما أيقن "حزب الله" أن لا جدوى من كل الاحتياطات التي اتخذها لمنع حصول تفجيرات في مناطق سيطرته وتحديداً في الضاحية الجنوبية، ظن البعض أن قيادة الحزب قد تلجأ الى اعتماد خطة بديلة تقتضي منه انسحاباً تدريجياً من المستنقع السوري، لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما أطل السيد حسن نصرالله ليُبشر الداخل وتحديداً جماعاته قبل الخارج أن لا انسحاب من سوريا وأن المعركة طويلة حتى ولو تطلب الأمر أن يذهب شخصيّاً للقتال هناك كرد فعل على تفجير الرويس، ليستتبع هذا الكلام تفجيرين انتحاريين استهدفا في الوقت عينه السفارة الإيرانية في منطقة بئر حسن الواقعة عند أطراف الضاحية حيث راح ضحيتهما 23 قتيلاً، بينهم المستشار الثقافي الإيراني إبراهيم الأنصاري، و147 جريحاً ومصاباً وذلك كرد فعل على "مشاركة إيران والحزب في الحرب السورية".
في آخر محطات الاستهدافات التي وقعت في الضاحية وعند أطرافها كان اغتيال القائد العسكري في "حزب الله" حسّان هولو اللقيس أثناء خروجه من سيارته في موقف المبنى الذي يسكنه في منطقة السان تيرز ليخرج على إثرها الحزب متهماً إسرائيل بالوقوف وراء العملية، لكن الغريب في موضوع الاغتيال هذا أنه جاء بعكس كل العمليات التي نفذتها إسرائيل ضد قياديي الحزب وكوادره على مدى ثلاثين عاماً كونها المرّة الأولى التي تتم فيها التصفية بإطلاق الرصاص وعن مسافة قريبة وهو الأمر الذي يؤكد وجود عملاء مقربين من "حزب الله" لا يزالون ينشطون بكثافة على ساحتيه الأمنية والعسكرية.
وفي قراءة ملخّصة للأحداث التي وقعت في الضاحية الجنوبية في العام 2013، يصح القول إن "حزب الله" استفاد بدرجة كبيرة من كل ما حصل بشكل مباشر أو غير مباشر، فهو استفاد على المستوى الأمني بإقامة عملية مسح شاملة لكل الضاحية كما برر لنفسه مشاركته في أحداث عبرا بعدما روجت جماعاته لاكتشاف متفجرات وعبوات في محيط مسجد بلال بن رباح، ونجح أيضاً في إعادة شد عصب عدد لا يستهان به من جمهوره ومناصريه خصوصاً بعد الاعتراضات الكثيرة على أمنه الذاتي وما تسبب به وعلى مشاركته في الحرب السورية.