الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الضبع الكيماوي

الضبع الكيماوي

22.08.2013
رمزي الغزوي

الدستور
الخميس 22/8/2013
أي نعم. كلُّ الذين اختنقوا، وتشردقت خياشيمهم بكيماوي الغوطة الشرقية الدمشقية ممثلون أفذاذ. بمن فيهم طفل بعمر الثمانية أشهر رمى رأسه دون أن يطفئ ابتسامته الساخرة. هم ممثلون أو بالأحرى (كمبارس) استأجرهم مخرج فيلم المجزرة لفبركة مشهد الموت بغاز (السارين). كلهم ممثلون، وبعد إغماضة الكاميرا سينفضون عنهم غبار الموت، ويعصرون ماء ثيابهم، ليعودوا لحياتهم بالحميدية، أو معضمية الشام، أو الحجر الأسود.
 عقب مجزرة الكيماوي الضبعي، صباح أمس، بعث لي شبيح برسالة قصيرة مفادها ألا أصدق الفضائيات العميلة بهذه المشاهد، التي تخجل حجراً، أو شجراً، وتقصم قلب الحيوان، رسالة نصفها شتيمة، ومذيلة بنصحية ألا أكون ساذجاً لأصدق ما أراه. فهذا تمثيل في تمثيل. ربما كان علي أن أصدق ما يدعيه هؤلاء الشبيحة، من أن نظامهم الضبعي شريف عفيف نظيف، لم ولن يقتل شعبه.
ماذا جرى للإنسانية. لماذا تعد تهزنا مشاهد الموت المفزعة. فلو أن دجاجاً (فطس)، أو ماعزاً اختنقت، لوجدنا من يستنكر لها، ويدين خانقها وقاتلها. ماذا جرى لنا؟. وأيه بلادة نعيش ونحيا، وأي تآخٍ هذا الذي تآخيناه مع الموت وظلاله، كي يصبح أمر الطغيان والبطش والدم عادياً، نجيد فقط حساب أرقامه ومستواه؟. أي جفاف إنساني يجتاح عالمنا البليد!.
(شايف) الضبع ويقصُّ أثره!. هذا المثل كنا نضربه لمن يتعامى عن الحقيقة الدامغة ويتجاهلها، بل وإمعانا منه بالتغابي؛ فإنه يبحث عن أدلة تقوده إلى تلك الحقيقة، رغم أنها ماثلة أمامه كرغيف الشمس الناصع الضياء، ولا تحتاج لبيان أو تبيين أو تفتيش، فالدم ورائحة الموت لا تخفيهما خافية!.
ورغم كل الظروف الموجبة لإطلاق هذا المثل بوجه فريق الأمم المتحدة، الذي جاء ليتأكد من أن النظام الضبعي استخدم الكيماوي ضد شعبه. إلا إننا لن نقول لهم:(شايفين الضبع وتقصون أثره)، ليس لعدم التطابق في الحالتين. بل لأن القتل هو القتل. أكان بالسيف أو بالرصاص أو بالغاز أو بالراميل المتفجرة، أو بالطمر تحت الأنقاض، وغياهب السجون وبطونها، أو بغار الخردل أو السارين.
 الضباع كانت تعدو على الغنم والحلال وتنبش القبور وتسرق الجثث. ولكن النظام السوري فاقها بطشاً وعدا على كل أوجه الحياة، واخترق كل محرم، وحلل كل شيء في سبيل بقائه مستبداً بكرسييه، فأعاد سوريا عشرات السنوات للوراء، وطمر آلاف الناس في المقابر والسجون والأحزان والبؤس. وفتح البلد لكل متطرف. فالقتيل لا يجر إلا القتل، والطغيان جسر للغلاة، وبوابة للعدوان.