الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الضربة الأمريكية وعرقوب والحطيئة

الضربة الأمريكية وعرقوب والحطيئة

24.09.2013
عبد عرابي


القدس العربي
الاثنين 23/9/2013
سأستعين بتراث الآباء والأجداد لبيان حقيقة آخر تطورات الأحداث والمواقف من الثورة السوريّة المجيدة، وكم في تراثنا المجيد من حكم وعبر نحتاج في أيامنا هذه أن ننهل من معينها لنستكشف الواقع ونستشرف المستقبل؟ فالتاريخ معلم الأفراد والأمم.
موقف المجتمع الدولي وهيئاته الرسمية وأصحاب الكلمة الفصل واليد الطولى فيه من ثورتنا، ينطبق عليه قول أجدادنا قديماً:( أخلف من عرقوب) وعرقوب هذا كان رجلاً من العماليق آتاه الله سعة من المال، فجاءه أخ له يسأله شيئاً، فقال له عرقوب: إذا اطلَعَ نخلي (خرج طلعُه) فلما أطلع أتاه، فقال له: إذا أبلَحَ، فلما أبلح أتاه، فقال له: إذا أزهَى، فلما أزهى أتاه، فقال له: إذا أرطب، فلما أرطب جاءه، فقال له: إذا أتمَر، فلما أتمر، جذّه ليلاً ولم يعطه شيئاً، فضربت به العرب المثل في خلف الوعد.
فمع أنّ أصدق كلمة قيلت في الثورة السورية هي: ( يا الله ما لنا غيرك يا الله) التي تعني في مفهومها- بالإضافة إلى يقيننا أنّ الأمور كلها بيد الله وهو قادر سبحانه وتعالى على تهيئة أسباب انتصار الثورة إن شاء- أننا لا ننتظر من العالم أن يسقط لنا النظام المستبد، أو أن يدافع عنّا، ويحمي نساءنا وأطفالنا، لأننا عندما قررنا أن نقوم بثورتنا لنيل الحرية والتخلص من نظام الطغيان والاستبداد لم نستأذن أحداً، ولكننا كدولة عضو في هيئة الأمم المتحدة لنا حقوق على المجتمع الدولي، ينبغي علينا أن نطالب بها كوسيلة وسبب لحماية أهلنا، وعلينا أن نذكّر المجتمع الدولي بواجبه تجاه دولة عضو في مؤسساته الرسمية. ومع أنّ المجتمع الدولي أظهر لا مبالاة غير مسبوقة تجاه نزيف الدم السوري المستمر منذ ثلاثين شهراً وبكافة صنوف الأسلحة المعروفة، إلا أنّ جريمة العصر باستخدام النظام للأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً في الغوطتين على نطاق واسع (بعد استخدامها على نطاق ضيّق قبل ذلك أكثر من عشر مرات) متجاوزاً الخطوط الحمر التي أطلقها زعيم أقوى دولة في العالم وضع المجتمع الدولي بشخوص زعمائه أمام أزمة أخلاقية حادة، فهي بعد التسويف والمماطلة، ومنذ خروج كلينتون وغيرها والمطالبة بوجوب تنحي بشار الأسد، ثمّ التهديد والوعيد المتكرر للنظام المترافق مع إرسال اللجنتين العربية والدولية، ثمّ دراسة فرض حظر جوي، ثمّ إيجاد ممرات إنسانية آمنة، ثمّ الوعود بتسليح المعارضة، ثمّ الخطوط الحمر آنفة الذكر، لنصل إلى المبادرة الروسية كمناورة جديدة للمماطلة والتسويف لإنقاذ نظام الأسد والتهرب من الالتزامات التي قطعها زعماء المجتمع الدولي على أنفسهم. ولا يبعد أن يجد المجتمع الدولي غداً مبرراً جديداً يعفي الطاغية ونظامه من مسؤولية جريمة الكيميائي ويعطيه فرصة لمزيد من القتل، فحالهم في ذلك كحال عرقوب سيئ الذكر.
حال النظام المستبد الممانع من رأسه الذي قال لوكالة (إنترفاكس) الروسية: إنّ قرار سورية (النظام السوري) التخلي عن السيطرة على أسلحتها الكيماوية، جاء نتيجة قبول الاقتراح الروسي لا التهديدات بتدخل عسكري أمريكي، والتهديدات الأمريكية لم يكن لها تأثير لدى اتخاذ القرار. حاله وحال أتباعه وأعوانه الإقليميين الذين اعتبروا تأجيل الضربة العسكرية (المحتملة) أو احتمال عدم حصولها مطلقاً، فتحاً مبيناً ونصراً مظفّراً، مع إغفال أنّه كان مقابل تخلي النظام عن مخزون سوريّة الاستراتيجي من الأسلحة الكيماوية، الذي أعدّ كما كان يدّعي النظام المقاوم والممانع كعامل ردع وتوازن مقابل السلاح النووي الصهيوني، هذا التبرير الذي يشبه هذيان الذي يضحك على نفسه ويحاول إخفاء ما هو حقيقة ظاهرة كضوء الشمس في رابعة النهار، التي تقول: إنّ التخلي عن الأسلحة الكيماوية قمة الخنوع والجبن والاستسلام والهزيمة (الذي عوّدنا نظام الممانعة والمقاومة عليها) فحال رأس النظام وأعوانه وأتباعه الإقليميين في هذا كحال الزِّبرقان بنَ بدر، عندما ذهب إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشتكي الشاعر الحُطيئة لمّا هجاه بقوله:
دَع المكارِم لا تَرحل لبُغيتها … واقعُد فإنك أنت الطاعِم الكاسي
فأنشده البيتَ، فقال عمر: ما أرى به بأساً. قال الزِّبرقان: والله يا أمير المؤمنين، ما هُجيت ببيت قطُّ أشدَّ عليّ منه. فبعث عمرُ رضي الله عنه إلى حسّان بن ثابت وقال: انظُر إن كان هجاه. فقال: ما هَجاه، ولكن سَلح عليه. ولن أقول لكم معنى: (سَلح عليه)..