الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الضربة العسكرية ضد الأسد.. مخاطر لابد من التحسب لها

الضربة العسكرية ضد الأسد.. مخاطر لابد من التحسب لها

29.08.2013
علي الرشيد



الشرق القطرية
الاربعاء 28/8/2013
لا شك أن نسبة كبيرة من السوريين اليوم فرحون بالضربة العسكرية الأمريكية الغربية ضد الأسد ونظامه، والتي باتت وشيكة ومؤكدة على ما يبدو، خصوصا أنها سـتأتي عقب قيام هذا النظام الدموي باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، ومقتل وإصابة الآلاف من المدنيين العزّل، في سابقة ليست الأولى من نوعها.
مصدر هذه البهجة أن هذه الضربة ستؤدي في الأغلب إلى رحيل الأسد وقياداته الأمنية والعسكرية التي تولت على مدار عامين ونصف العام، ارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب السوري، ما أدى إلى تدمير البلاد وتهجير العباد، فضلا عن سرقة ثروات ومقدرات البلاد، وممارسة الاستبداد والظلم لأكثر من أربعة عقود خلت.
لكن رغم هذه البهجة المبررة فإنه ينبغي على المعارضة أن تدرك المخاطر المحيطة بهذه الضربة، وخاصة النتائج المتوقعة منها، وانعكاساتها السلبية على الثورة السورية التي دفعت الكثير من دماء وجهد وتضحيات أبنائها البررة، على مدار ثلاثين شهرا.
وقبل الشروع في الحديث عن هذه المخاطر والانعكاسات، لا بد من الإشارة إلى أن نظام دمشق هو المسؤول في المقام الأول عن هذا التدخل، وليست المعارضة، والسبب هو الجرائم الإنسانية البشعة والمتكررة التي ارتكبها النظام، وعدم استجابته لأي من مطالب الإصلاح منذ بداية الثورة وحتى الآن، فيما أصم المجتمع الدولي والولايات المتحدة والغرب أذنيه لفترة طويلة على مطالبات المعارضة بتوفير حماية للمدنيين، أو منطقة حظر جوي، أو توفير أسلحة نوعية للمعارضة، يمكن أن تنهي قوة الأسد الغاشمة أو تحد من جرائمه لمدة تقارب عامين.
كان من الواضح أن الضربة العسكرية كما يراد لها الآن، مخطط لها أن تتم من قبل القوات الأمريكية الغربية نفسها، وأن تنفذ بعد هذه المدة الطويلة من عمر الثورة السورية، والغرض من ذلك جملة أمور:
ـ تدمير البنية التحتية للبلاد إلى أقصى قدر ممكن حتى تحتاج سوريا بعد رحيل النظام القائم حاليا إلى مزيد من السنوات لترميم نفسها واقتصادها، مع الحاجة لمساعدات الآخرين التي لا تخلو من ضريبة التبعية والاشتراطات الدولية.
ـ أن يتم توجيه الضربة القاضية لنظام الأسد بيد هذه القوات، حتى تكون بنظر الشعب السوري وشعوب المنطقة هي المنقذ لها، والساعية لإحلال الديمقراطية في دول المنطقة والحارسة لقيمها.
وقد كان بالإمكان تلافي مزيد من هذه الخسائر في صفوف الشعب السوري وفي مقدرات القطر السوري واقتصاداته، فيما لو تم ذلك في وقت مبكر من الآن، كما كان بالإمكان تحقيق هذه الضربة القاضية بيد الجيش الحر والثوار، فيما لو تم تزويدهم بالأسلحة النوعية، خصوصا أن النظام مرّ بمراحل ترنح كبيرة، قبل قرار حزب الله والمليشيات المدعومة من إيران بالتدخل المباشر في الأزمة والقتال إلى جانب الأسد.
ـ إتمام إعداد الترتيبات اللازمة لمرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد والتي تتلخص، بأمرين اثنين: رحيل الأسد والقيادات الأمنية والعسكرية التي ولغت يداها في الدماء، مع عدم إنهاء كامل بنية النظام القائمة منذ عقود، بكل ما فيها من فساد وولاء وتبعية، خاصة على مستوى الجيش والأمن، وتوفير الدعم السياسي للقيادات السياسية الموالية للغرب التي يمكن أن تتولى زمان الحكم ما بعد رحيل الأسد، أو توفير حضور كاف لها (كما حصل في العراق وأفغانستان)، وهو ما يعد سرقة للثورة بصورة واضحة، بعيدا عن الاختيار الشعبي التي قد توصل تيارات وطنية شريفة، أو تيارات الإسلام السياسي، والتي قد لا تضمن مصالح وأمن الكيان الصهيوني، وأمن ومصالح الجهات الدولية كما تحب وترضى، وكما كان قائما طيلة الحكم المفروض قسرا على الشعب.
وبالتالي فإن ما حصل في مصر مؤخرا لا يراد له أن يتم في سوريا مرة أخرى، كيلا يضطر الجيش لإجراء انقلاب على الشرعية الدستورية، بكل ما فيه من انتقاد شعبي كبير، مهما حاول عسكر مصر والقوى الليبرالية واليسارية المتحالفة معها تزيينه.
وقد ساعد على كل ما سبق مع الأسف تشتت مواقف المعارضة السياسية في الداخل والخارج، وتشتت مواقف الثوار والقوى العسكرية على الأرض أيضا، وعدم وجود موقف موحد جامع لها، يوحد صفها ويجعلها قوية أمام العالم.
على المعارضة والشعب السوري تفاديا لما سيحدث أن يكون واعيا بأبعاد الضربة التي ستقع ومخططات المرحلة التي ستليها، وأن يحاول قدر المستطاع أن يحد من أخطارها بوحدة الموقف والكلمة، وأن يقدم المصالح الوطنية العليا على المصالح الفردية والحزبية الضيقة.
الضربة العسكرية شر لا بد منه، لكن المطلوب التخفيف من حدة أخطارها. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".