الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطريق إلى "الخلافة الإسلامية" في روسيا

الطريق إلى "الخلافة الإسلامية" في روسيا

05.02.2014
Admin


ربى الحسيني
السفير
الاثنين 3/2/2014
الربط بين صعود التفجيرات "الجهادية" والأزمة السورية لا يغيب عن الصحافة الروسية، والتوقعات دائماً تدخل في إطار انتظار الأعظم حين يحين موعد الألعاب الأولمبية في سوتشي. وكأن "الجهاديين" يريدون الانتقام من دعم روسيا للنظام السوري.
يذهب إلكسندررازوفائيف في صحيفة "فيزغيلياد" إلى الربط بين التصعيد "الإسلامي" في روسيا وكل من أميركا والسعودية. وهو يروي، كما ورد في تقارير عدّة، أنه خلال زيارته الأخيرة لموسكو (تموز 2013)، والتي أتت بموافقة أميركا، عرض رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعاون في المجال النفطي، ودعم موقف موسكو من سوق الغاز الأوروبي، في حال تخليها عن النظام السوري. وذهب الأمير السعودي أبعد من ذلك، ليهدد بأنهم، السعوديين، يسيطرون على الإسلاميين الراديكاليين في القوقاز، وأن تأمين الألعاب الأولمبية في سوتشي مرتبط بالموقف الروسي من الأزمة السورية. وهذا تحديداً ما تناقلته وسائل إعلامية عدة أجنبية وعربية في هذا الخصوص، ويبدو أن الروس، إلى حد الآن، غير آبهين بالتحذيرات السعودية.
روسيا في المواجهة
ليس حديثاً على روسيا وجمهورياتها ومحيطها من الدول السوفياتية السابقة مواجهة الراديكالية الإسلامية بأنماطها كافة، "الكاميكازية" أو الدعوية، وكلها تصب في هدف واحد تحت شعار "الخلافة الإسلامية". أما الحملة الإعلامية التي ظهرت مؤخراً تزامناً مع تصاعد عدد التفجيرات الانتحارية في الجمهوريات الروسية، فمرتبطة بشكل أساسي بتنظيم روسيا لدورة الألعاب الأولمبية في سوتشي. وتعالت الأصوات الروسية وغير الروسية، متخوفة من مستقبل البلاد الغامض في مواجهة "كاميكازيي الجهاد"، الذين يجدون في الأولمبياد هدفاً لا بد من الوصول إليه.
من تفجيرات جمهورية إنغوشيتيا في آب العام 2012، إلى محاولة اغتيال مفتي جمهورية تتارستان ومقتل نائبه، إلى امتداد العنف ليستهدف المصلين والمساجد، وصولاً إلى تفجيري فولغوغراد الأخيرين، والمجازر الإثنية في بيريوليفو، حتى مسيرة السلفيين في شوارع قازان في تتراستان، حيث رفع علم تنظيم "القاعدة" وتعالى الهتاف "الموت للكفار"، يبقى السؤال "كيف تواجه روسيا نمو التيارات ذات الفكر المتشدد".
عمّت حالة من الاستنفار السياسي، المترافقة بتبادل الاتهامات والتحليلات المتشددة أحياناً، الساحة الروسية. وقد ذهب أنصار السلطة إلى إلقاء اللوم على المعارضين كونهم يريدون حصر مهمات قوات الشرطة والأمن. أما الجهة المقابلة، فببساطة تتهم السلطات على اعتبار أنها لا تملك الكفاءة الكافية لمواجهة التهديدات الإرهابية. كل ذلك، أدخل روسيا في سجال واسع، تخللته العقوبات التي يجب أن تفرض على الإرهابيين، وشفافية الإعلام في نقل حقائق العمليات الإرهابية والمعلومات عن المنفذين والمسؤولين. وبالنتيجة، ظهر مجدداً نقاش عام حول طبيعة الدين الإسلامي.
وتدور التحليلات بين وجهتي نظر بشكل عام، الأولى تحاول الخروج من الصورة النمطية التي ترى في الإرهاب ظاهرة من ظواهر الدين الإسلامي، أما الثانية فهي تعكس الرهاب الممتد بين كافة الإتنيات الروسية، وخاصة العداء الموجه ضد نازحي جمهوريات شمال القوقاز، هكذا يختصر موقع "شبكة العلاقات الدولية والأمنية" الأميركي مقالات الصحافة الروسية في مقاربتها للتصعيد "الإرهابي" الأخير. ولأن القضية شغلت الرأي العام الروسي وحتى العالمي، عمدت مجلة "كورييه انترناسيونال" إلى نشر ترجمات من الصحافة الروسية لعلها تعكس الواقع الروسي في مواجهة الراديكالية.
من الممكن القول ان ما خشيت منه روسيا من أن تشجع الأزمة السورية المتشددين لديها على التحرك بشكل فعّال أكثر قد نجح، وإسلاميو روسيا و"دولها السابقة" مرتبطون ببعضهم إلى حد ما. فقبل أسبوع من تفجير فولفوغراد الأول (21 تشرين الأول العام 2013)، شهدت مساجد في داغستان تظاهرات لجماعة "الإخوان المسلمين"، المحظورة في روسيا، وفي بعض الدول الإسلامية. وحين تعرضت صالة مصلين في فولفوغراد لهجوم بقنابل مولوتوف من قبل محتجين على "التفجير الإسلامي"، نزلت التظاهرات في أذربيجان. وفي وقت سابق، شهدت منطقتا نيجنيكامسك في تتارستانوخاسافيورت في داغستان تظاهرات غير مرخصة لدعم المقاتلين الإسلاميين في سوريا، ورفع الشعار وقتها أن "روسيا تغتال الإسلام في سوريا"، بحسب ما يروي الكاتب في صحيفة "روسيكي" الروسية فلاديمير إميلياننكو.
وفي حزيران العام 2013، دعا زعيم "إمارة القوقاز" دوكوعومروف، الذي تبنى غالبية العمليات الانتحارية في السنوات الماضية، مقاتليه إلى فعل ما بوسعهم لإفشال "الأولمبياد".
ودائماً ما يكون عمروف المتهم الأول في أي تفجيرات إرهابية تستهدف روسيا أو محيطها. السيرة الذاتية لعمروف تعكس الحكاية الدامية لموطنه الأصلي، منطقة الشيشان التي لم تستطع حتى الآن الخروج من نزاعها التاريخي مع روسيا. وعمروف (49 عاماً) مقاتل سابق في الحروب الروسية – الشيشانية. وفي العام 1996، بعد الحرب الشيشانية الأولى، عمل وزيراً للأمن، وحين انفجرت الحرب مجدداً في العام 1999، عاد وانضم إلى صفوف المقاتلين، ليصبح لاحقاً من أهم قياديي الراديكالية الإسلامية "الجهادية" في المنطقة. وفي العام 2007، أعلن عمروف تأسيس "الخلافة الإسلامية في القوقاز"، وعين نفسه أميراً عليها. شائعات كثيرة تناول مقتل عمروف، وكان آخرها إعلان الرئيس الشيشاني رمضان قديروف في شهر كانون الثاني الحالي. إلا انه فعلياً ليس هناك ما يثبت مقتل القيادي الأهم في منطقة القوقاز، وحتى في الجمهوريات الروسية المتنوعة.
"راديكالية معتنقي الإسلام"
ينقل إميلياننكو عن فاديمسيدوروف، الملقب أيضاً ب"هارون الروسي"، وهو أمير "المنظمة القومية لمسلمي روسيا"، أنه "لا يجب أن نتخوف. عندما يسمع الروسي كلمة خلافة يتذكر الحربين في الشيشان والتجارة البشرية في الصومال، وهذه مجرد صور نمطية. بالنسبة للمسلمين، الخلافة هي طريقة لتوحيدهم في إطار الإيمان والتكامل. شيء يشبه الاتحاد الأوروبي، ولكن في العالم الإسلامي. وليست عبارة عن حكومة عالمية، كما يدعي أعداء الإسلام".
بدا سيدوروف متفائلاً خلال شرحه العملية السلمية لدمج "الخلافة الإسلامية" المنتظرة في "الاتحاد الأوروبي الإسلامي". لكن الأمير، بحسب ما ينقل إميلياننكو، فر من البلاد بعد إلقاء القبض على اثنين من تابعيه، هما ماكسيم بياداكا (سلمان سيرفر) وغريرغوريملفروف (أمير حمداني المالكي)، وهما يديران شبكة المنظمة في بيترسبروغ. وقد أعلن كل من الرجلين نفسه أميراً على الانترنت، وخلال خمس سنوات، عملا على الدعوة إلى الإسلام، وكان المهاجرون أول أهدافهما "الإلكترونية" إن صح التعبير.
تلجأ الجماعات الإسلامية في شمال القوقاز تحديداً إلى الشعوب السلافية في نشاطاتها "الإرهابية". فقد تبين أن منفذ تفجير فولغوغراد هو بافيلبيتشينكين قبل اعتناقه الإسلام و"أنصار الروسي" لاحقاً. وهو من مدينة فولجيسك في جمهورية ماري إل الروسية، وقد جرى تحضيره، ليتحول إلى "كاميكازي"، في داغستان، مثله مثل ديميتري سوكولوف، المخطط لتفجير فولغوغراد في تشرين الأول الماضي، والذي نفذته زوجته نايداأسيالوف.
ما هي قصة بافيل أو "أنصار الروسي"؟ ينقل الحكاية ديمتري إيفستفيف في صحيفة "إسفيتيا". ويقول إن الشاب الكاميكازي كان يعمل كممرض في أحد مراكز الطوارئ في مدينته، وقد اعتنق الإسلام في العام 2013. في البداية، تأقلم أهله مع التغيير الجذري في حياته، حيث بدأ بالامتناع عن شرب الكحول، وأصبح من زوار المساجد الدائمين. وفي بداية العام 2013، قرر الشاب مغادرة منزل عائلته، ليصبح جزءا من جماعة إسلامية في بويناكسك في داغستان. وقد حاول أهله التواصل معه مرات عدة، حتى أنهم ذهبوا إلى داغستان بحثاً عنه، ولكنهم لم يحصلوا منه سوى على شريط "فيديو" يؤكد لهم أنه لا ينوي العودة، فقد وجد "إيمانه الحقيقي".
وجدت الجماعات الإسلامية في الشعوب السلافية هدفاً مناسباً لها، كونهم يتحدثون الروسية بطلاقة، وقادرين على التأقلم مع الدول الكبرى الناطقة بالروسية، كما أنهم أقل عرضة للشبهة من غيرهم.
الإسلاميون في الحكم
ليس الخوف من "راديكالية" الإٍسلاميين فقط ما يعكر صفو الروس، وإنما أيضاً النزاعات الإثنية المنتشرة في مناطق عدة. فعلى سبيل المثال، يعلم الجميع في سالخارد (عاصمة جمهورية أوكروغيامالو - نينيتس الروسية)، بأن ثلاث مافيات تسيطر على الولاية، العصابة المنظمة التابعة للإخوان ألييف، وأصلهم من أذربيجان، والقبيلة الإثنية لعائلة سايدولائف من داغستان، والعصابة المنظمة "إنيغوش – زولوتو" من جمهورية إنغوشيا الروسية.
من هنا، من الممكن القول إن "السلطات تخاف من تلك النزاعات الإثنية، كما تخاف من انتشار الطاعون". وتبين استطلاعات الرأي أن 70 في المئة من الروس لديهم مشاعر سلبية تجاه إثنيات أخرى. الأمر الذي يستفيد منه بطبيعة الحال الراديكاليون الإسلاميون، "فهؤلاء يرون في العالم الإجرامي أرضاً خصبة لتشكيل الحرس الإسلامي".
لا بد من العودة أولاً وأخيراً إلى قدرة هؤلاء الراديكاليين على الانتشار، فالأمر لا يتعلق فقط بالاستفادة من الساحات الإجرامية فقط، بل كما ذكرنا سابقاً، يجد هؤلاء في المهاجرين هدفاً سهلاً لهم. وفي هذا الصدد، ينقل إميلياننكو عن مدير "المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية" رئيس سليمانوف، أن السلفيين يحاصرون العمال المهاجرين من آسيا الوسطى الوسطى، لدى دخولهم إلى روسيا. وهذا ما حصل على سبيل المثال، مع فرهود خليكوف، من أصل طاجيكي. فهو أسس مجموعة سلفية في قريته بعدما عاد من روسيا، حيث تلقى الخطابات من أئمة "المواقع الكترونية" التابعة ل"المنظمة القومية لمسلمي روسيا".
الأمر ليس بسيطاً، وفعلياً تستفيد السلطات من الترويج للإسلاميين في بعض الأحيان، وهم سمحوا لهم بالانتشار، وحتى السيطرة. ففي تتارستان على سبيل المثال، حاول المفتي إلدوسفايزوف ومساعده فاليولاإياكوبوف إطلاق الإنذارات في ما يتعلق بدخول السلفيين إلى المؤسسات المالية وبعض قطاعات السلطة. وفي العام 2005، بدأوا في السيطرة على المساجد الكبرى في تتارستان، وبالرغم من محاولة المفتي ومساعده تدارك الأمر، إلا انهما فشلا في مواجهة مشايخ السلفية، لأنهم مدعومون أساساً من كبار موظفي السلطة، إن كان على نطاق البلدية أو الإقليم. وبالنتيجة، كان المفتي ومساعده، ضحية عمليتي اغتيال، سقط ضحيتهما إياكوبوف.
وقد اعترف وزير الداخلية في جمهورية تتارستان الروسية بأن "بعض الموظفين على علاقات مع السلفيين"، لكن هذا الاعتراف جاء متأخراً، إذ ان "المؤسسة السلفية" استطاعت فعلياً تعزيز نفوذها، تقريباً في كافة الجمهوريات الروسية الإسلامية، وحتى في مدن روسيا الكبرى. وقد اعترف مفتي جمهورية يامالو - نينيتس، فريد سلمان، بأن الإسلاميين يدخلون مسلحين إلى المساجد، ويهددون المشايخ المحليين، بأن أي نوع من النقد سيدخلهم في لائحة الاغتيالات، التي أسقطت خلال 20 عاماً، 60 مسؤولاً دينياً.
ويختصر الخبير في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية فياتتشسلافبيتروف الأمر بالتالي "هكذا يتطور الإسلام الراديكالي لدينا، ويغذي مقاتليه... في صلب هذا النظام، يوجد الشباب، والبيروقراطية، والجريمة المنظمة. يستخدمون مؤسسات السلطة متحررين في الوقت ذاته من أي وجود شرعي على الأرض الروسية. هو ببساطة نظام عنف منظم، لا تملك السلطة الفدرالية أي سلطة عليه".