الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطريق الأقصر لمواجهة داعش

الطريق الأقصر لمواجهة داعش

10.07.2016
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 9-7-2016
لنقل إنها كانت تقارير ثلاثة تلك التي طَوَى عليها الأسبوع الفائت رحيله. قد لا تكون هذه التقارير قدمت جديدًا غير معروف البتة للغالبية الساحقة في العالم العربي، لكن أثرها مهم في ربط جزئيات الأمور وتناثرها ووضعها في موضعها الصحيح في رؤية الصورة الكلية الحقيقية التي يجاهد كبار صناع القرار في هذه المنطقة من العالم على عدم رؤيتها أو رغبة في تشويه معالمها، لما فيها من مرارة مفرطة تدين تاريخًا من السياسات الحمقاء والإجراءات القاتلة التي مورست لعقود وما تزال النخبة الحاكمة مصرّة على استيلادها من جديد كلّما حان أوان رحيلها.
التقرير الأول هو تقرير لجنة "تشيلكوت" البريطانية التي أمرت الحكومة البريطانية بتشكيلها قبل حوالي عشر سنوات برئاسة القاضي "تشيلكوت" التي عرفت اللجنة باسمه حول أسباب وقانونية مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003 والتداعيات التي نتجت عن هذا التدخل. من أخطر ما توصل إليه التقرير، ليس فشل بريطانيا في تحقيق أهداف تدخلها في العراق أو افتقادها لرؤية لبناء الدولة العراقية ما بعد إسقاط صدام حسين وإنما لدورها الواضح في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. فالتقرير يخلص إلى تجريم كامل لرئيس الحكومة الأسبق توني بلير على قرار مشاركته بالحرب دون سند قانوني وبنائه على معلومات ناقصة أو مغلوطة ورطت بريطانيا في أخطر القرارات التي فجرت ظاهرة الإرهاب في العالم منذ العام 2003. وبحسب محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة الجارديان البريطانية باتريك وينتور، فإن وثائق تقرير"تشيلكوت" تدعم الادعاءات التي تقول إن غزو العراق رفع التهديد الإرهابي، وساعد في تشكيل تنظيم الدولة.
التقرير الثاني هو التقرير الأمني الذي أعده المجلس الاستشاري للأمن في الخارج التابع لوزارة الخارجية الأمريكية حول تنظيم الدولة، ونشرته صحيفة واشنطن تايمز هذا الأسبوع. أبرز ما في التقرير كشفه أنه منذ 2011 وحتى 2016 هناك ما بين 27 ألف شخص و31 ألفا أتوا من 86 دولة للالتحاق بتنظيم الدولة في سوريا والعراق.
أما التقرير الثالث، فيتجسد في إخراج مؤسسة "الفرقان" الذراع الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية إصدارًا جديدًا بعنوان "صرح الخلافة" يعرض فيه التنظيم شرحا لهيكلية دولته، وأدوار المسؤولين فيها، إضافة إلى دور الولايات، والدواوين، وغيرها. ما يلفت النظر في التقرير ادعاء التنظيم أن "دولة الخلافة تتكون من 35 ولاية متوزعة في عدة دول، 19 منها في سوريا والعراق، و16 في دول أخرى". قبل أن يخلص إلى نتيجة شديدة السوريالية بعيد يومين على التفجيرات الانتحارية التي طال بعضها الحرم النبوي في المدينة المنورة فيقول التنظيم في إصداره: "قبل الخلافة كان أهل الإسلام همجا مضاعين، والفوضى تغشاهم، فضاع الدين وسلب الحمى". وبعد إعلان الخلافة فقد "أنبتت الأرض وسار الركب وعاد الدين وذيد عن الحياض".
خلاصة التقارير الثالثة أن أسباب بروز أو ولادة تنظيم الدولة الذي يتباهى بنفسه ويضرب في أقدس بقعة في العالم الإسلامي في الوقت الذي يتحالف العالم أجمع على إنهائه، ليست أيديولوجية بحتة كما يحلو لبعض الباحثين ومن هو ناقم على التاريخ الإسلامي، ويغرب في تصفية حساباته معه لأسباب أيديولوجية أيضًا، أن يكرسه في الوعي الجمعي للأمة. كما ليست الأسباب سوسولوجية اقتصادية ديموغرافية صرفة، كما ينحو إليه بعض المراقبين ومن معهم من تيارات الإسلام السياسي، وإن كان الفقر والبطالة وسوء التوزيع وقلة المردود التربوي والتعليمي تلعب أدورًا حاسمة في أي ظاهرة اجتماعية متطرفة. ولا هي بتلك المرتبطة حتمًا بالواقع السياسي والظروف الإقليمية والدولية.
الأسباب باختصار هي أعقد من أن نفككها إلى وحدات وأرقام، فهي دينية طالما أن الثقافة الإسلامية لا تنقى من "فقه الانحطاط" الذي ساد العالم الإسلامي خلال فترات الغزو المغولي والغربي. كما أنها أيديولوجية طالما أن تيارات الإسلام السياسي لا تبذل ما فيه الكافية ولم تحدث مراجعات معمقة، تقطع تماما مع "فقه التبرير" لعمليات التخريب أو تستمر في توظيف التطرف وفق معادلة "إما القبول بالإسلام السياسي أو مواجهة القاعدة وأولادها". وهي بالضرورة سياسية اجتماعية اقتصادية طالما أن نظمًا مستبدة تمتهن احتكار "الإسلام الرسمي" لتبرير الاستبداد والقمع والتنكيل بالمعارضين والفساد والنهب المنظم.
وهي ظاهرة دولية عالمية مرتبطة بسياسات دولية. وفي هذه الجزئية يتوجب على الغرب أن يعترف -الاعتراف يتطلب الاعتذار ثم التعويض - بأن من أبرز مولدات التطرف والإرهاب الفكرية والتنظيميّة هو الاستغلال الذي استمر لعقود وربما لقرون في قمع الشعوب واستعبادها ونهب خيراتها والمتاجرة بثقافتها وتنصيب مجموعات نخبوية فاسدة غريبة عن ثقافة مجتمعها وحضارته ثم تحالفه مع نظم مستبدة لإبقاء أهل هذه المنطقة في زريبة الشعوب المنفية والمستبعدة من دائرة الفعل الحضاري. وأن حماية لإسرائيل من أي ملاحقة قانونية وتبرير قتلها اليومي ومساندتها في أي إجراء ظالم منافٍ لأبسط قيم الإنسانية إذا ما تعلق الأمر أو ارتبط بالبؤس اليومي للشعب الفلسطيني من أكثر الأسباب المزمنة لهذه الظاهرة. وبناء عليه من يرغب في تجفيف منابع الإرهاب عليه أن يعرف من أين تتفجّر عيونه؟