الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطفل "إيلان" غريق المتوسط غيّر العالم

الطفل "إيلان" غريق المتوسط غيّر العالم

12.09.2015
د. علي الجابري



البيان
الخميس 10/9/2015  
حتى الأمس القريب كان ضمير الإنسانية مخدراً، لا يشعر بهول المعاناة والألم والمخاطرة التي يمر بها المهاجرون من ديار القتل والدمار في سوريا والعراق وغيرها من مدن الموت المجاني، من أجل بصيص أمل ينقذ أرواحهم وأطفالهم الذين فطموا على سماع دوي الانفجارات والقتل على الهوية.
مئات الآلاف من اللاجئين الذين ضاقت بهم السبل قرروا خوض البحر المتوسط لعلهم يصلون إلى الضفة الأخرى، حيث الأرض الموعودة والوطن البديل. ومن بين هؤلاء الذين غامروا بحياتهم وحياة عوائلهم من أنقذته عناية الله، وأوصلته إلى الضفة الأخرى، حيث تبدأ معاناة جديدة في التنقل بين بلاد أوروبا الواسعة.
عانى اللاجئون من شتى أصناف المعاملة القاسية وساعات الانتظار على أبواب دوائر الهجرة للحصول على ورقة طرد من الدولة التي وصلوا إليها، تمكنهم من العبور إلى دولة أوروبية أخرى، ولو كان عن طريق التخفي في الغابات وشق الطرقات الوعرة بعيداً عن أنظار حرس الحدود الأوروبي.
حدثنا الكثير من اللاجئين عن المآسي التي صادفتهم في الطريق إلى بلد اللجوء، لكنهم يكادون يكونون أسعد حظاً من المئات غيرهم الذين ابتلعهم "بحر الموت المتوسط" دون أن يسأل عليهم أحد. فلا حكوماتهم تأبه لموتهم، ولا ضمير الإنسانية يتحرك لإنقاذهم.
وأكثر من (2500) غريق، بينهم الكثير من الأطفال خلال العام الجاري، لم تكن إلا أرقاماً تتداولها مكاتب المنظمات الدولية.
وحده الطفل السوري "أيلان" الذي التهمته مياه المتوسط مع شقيقه الأكبر ووالدته، من حرك ضمير العالم وأشعر دعاة الإنسانية بالخزي والعار لأنهم تسببوا بموت هذا الملاك الذي لا يدري أين قاده مصيره وسط هذا الموج المتلاطم؟!
لكنها إرادة الله، أن يموت إنسان من أجل أن يعيش آلاف غيره.
فقد تسبب موته في فتح الحدود التي كانت مغلقة بوجه اللاجئين في أوروبا، وصار الذين يتخفون عن أعين السلطات في دول الشرق الأوروبي القاسي يظهرون في العلن ويطالبون بالوصول إلى جنة أحلامهم (ديار ميركل العظيمة)؟!
وهذه ليست المرة الأولى التي تتسبب فيها صورة في تغيير حياة العالم، لكنها كانت درساً لدعاة الإنسانية أن يكونوا أكثر قرباً من معاناة الآخرين، وكانت درساً للشعوب الأوروبية التي كانت تنمو بين جنباتها بذرة التطرف ومحاربة المهاجرين واللاجئين.
في ألمانيا التي انطلقت منها منظمة "بيغيدا" المعادية للمهاجرين، والبلد الأكبر في تسجيل حالات الاعتداء على مساكن الفارين من الموت تغير الحال، حتى قيل إن ألمانيا بأكملها تتغير وليس مستشارتها "ميركل" فقط..
أصبح الألمان يتسابقون في تقديم المساعدات الإنسانية للقادمين من خلف البحار، يستقبلونهم عند أبواب محطات القطارات، ويأخذونهم إلى بيوتهم للراحة قبل أن ينتقلوا للأماكن المخصصة للاجئين.
وكذلك الحال مع بقية شعوب أوروبا التي بدأت تضغط على حكوماتها لتحمل الواجب الإنساني بإنقاذ ضحايا الحروب في الشرق الأوسط. صحوة ضمير دفعت رئيس وزراء فنلندا أن يتبرع ببيته لإيواء اللاجئين، وحركت ضمير آلاف البريطانيين الذين أعلنوا رغبتهم في استقبال العائلات السورية الهاربة من الموت والقتل.
كم هو عظيم موتك يا "أيلان"، لقد حركت ضمير العالم وشعوب الأرض بأكملها، وكان موتك سبباً في إنقاذ أبناء بلدك وغيرهم من المضطهدين والهاربين من أرض الدمار والموت ليفتح لهم أبواباً من الأمل.
كم هو عظيم أن يموت الإنسان من أجل حياة الآخرين، فكيف إذا كان طفلاً تستقبله السماء بلا ذنوب ولا حساب.