الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطفل عمران الذي فضح العالم

الطفل عمران الذي فضح العالم

03.09.2016
علي القحيص


الرياض
الخميس 1-9-2016
صدم الجميع وصعق المشاهدون والمتابعون أثناء مشاهدتهم حادثة الطفل عمران السوري في مدينة حلب المنكوبة، الطفل المكلوم الذي تم إخراجه من تحت الأنقاض مع ما تبقى من أسرته الأحياء، وحين جلس على كرسي الأسعاف مذهولاً ومرعوباً من فاجعة المصيبة، صمت عمران ولم ينبس ببنت شفه، الذي لايتعدى عمره الأربع سنوات ولم يصرخ أو يبكي أو يتحرك بل جلس متسمراً متجهماً، من هول مصيبته وقوة الصدمة التي لاتسعفه دموعه بالبكاء ولم يستطع التحدث لأن لغة الكلام تعطلت تماماً، وهو فاقد أسرته تحت الركام وعينه اليسرى يملأها التراب والدم والرماد، كردة فعل أي طفل مصاب بأذى ويتألم لابد أن يضرخ، وحين حاول مسح الدماء والطين عن غشاوة عينه اليسرى، نظر الى باطن يده ليرى دماء الطفولة تمتزج بتراب وطنه الذي خرب ودمر بلا هواده.
ولم تذرف عيناه دمعة ولكن قالت الكثير.. الكثير.. وبنظرة للمصورين والذين حوله من المسعفين والمنقذين، اخترقت نظرتة لتصل إلى أقصى العالم بسرعة البصر، لتخترق جدار العالم الكونكريتي الصامت المنافق الكذاب، الذي يقتل الميت ويسير خلف جنازته باحتراف وامتياز، هذا العالم الذي يدعي الديمقراطية والتمدن والإنسانية والعدالة، أصبح اليوم مبلد الأحاسيس مجمد المشاعر ميت الضمير خالي الوفاض من كل القيم والمثل العليا، ولو كان عمران في إسرائيل لقامت الدنيا ولم تقعد، وسوف تتحرك البوارج والبواخر وحاملات الطائرات والأساطيل والمقاتلات النفاثة وتنطلق صواريخ عبر القارات الى من تسبب بقتله وترويعه، مثلما انطلق صاروخ أرض جو إلى شباك غرفة الفنانة الرسامة التشكيلية ليلى العطار حينما رسمت الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الأب على مدخل فندق الرشيد في العاصمة العراقية بغداد، بالفسيفساء احتجاجاً على تدمير بلدها في تلك المرحلة، وتم قتلها بعد منصف الليل وهي نائمة بجانب زوجها الذي لم يصب بأذى، وهي في منزلها بمدينة المنصور في بغداد.
فنقول لمن قتلوا أسرة عمران الحلبي وروعوه وشوهوا وجهه الطفولي البريء: شكراً لكم لأنكم دقيقون في إصابة أهدافكم بمهارة عالية، وشكراً لتحطيم دولنا وتجزئتها وتفتيتها باسم "الربيع العربي" الذي تحول إلى جحيم ونار وخراب ودمار، وشكراً لما زرعتم فينا من خوف ورعب وخراب وتشريد وتهجير، شكراً لأنكم زرعتم في بلداننا الخونة والعملاء والجواسيس واللصوص وعديمي الضمير، ولم تزرعوا الربيع والورد والرياحين، كما تدعون وتزعمون لكنكم حقاً تفعلون؟!.
والشكر موصول طبعاً إلى الطفل عمران الذي عرى العالم وأظهر وجهه الحقيقي القبيح الذي كان مغطى بالأقنعة المزيفة!!