الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطفولة بين المنظور وغير المنظور

الطفولة بين المنظور وغير المنظور

19.03.2014
أ.د. يوسف رزقة


فلسطين اون لاين
الثلاثاء 18/3/2014
بمناسبة دخول الثورة أو الأزمة السورية عامها الرابع نشرت المؤسسات الدولية تفاصيل خطيرة عن أحوال السكان المدنيين في هذا البلد الذي فقد الأمن والاستقرار، وبات بلدا طاردا لأبنائه، وقاتلا لآخرين. ومن هذه التقارير الأكثر خطورة ومأساوية في العصر الحديث بعد النكبة الفلسطينية، تقرير منظمة اليونيسف عن أطفال سوريا، حيث جاء في التقري ما ملخصه:
(5.5) مليون طفل سوري هم الآن لاجئون قسرا داخل سوريا وخارجها. وتتوقع المنظمة أن يزيد العدد ليبلغ (8 ) مليون طفل مع نهاية عام ٢٠١٤. وتحدث تقرير مشترك لمجموعة من المنظمات الدولية أن عدد اللاجئين داخل سوريا وخارجها بلغ حوالي (9) مليون شخص، منهم (2.5) مليون شخص خارج سوريا. ومنهم (1.2) مليون طفل يعيشون في مخيمات اللجوء خارج سوريا. وقال التقرير إن (3) مليون طفل لا يتلقون التعليم الآن بشكل منتظم.
وتم تدمير (60%) من مراكز الرعاية الصحية التي تخدم الأطفال، وانهارت( ثلث) محطات معالجة المياه، وانخفضت معدلات التطعيم بين الأطفال، فعاد شلل الأطفال إلى الظهور بين الأطفال السوريين داخل سوريا وخارجها. وقال التقرير لقد عاش أطفال سوريا على مدى ثلاث سنوات الرعب والخوف والقسوة على نحو لا يجب أن تعيشه الطفولة في أي مكان. ولا تتوافر للمنظمات أكثر من (15%) من الأموال اللازمة لرعاية الأطفال وتوفير الحد الأدنى لهم. انتهى الملخص.
هذه هي حالة أطفال سوريا البلد العربي المسلم. إن الترجمة المباشرة لهذه الأرقام تعني أن سوريا فقدت جيلا أو جيلين من أبنائها، وهذا يعني أن سوريا ستكون عاجزة على مدى ثلاثين أو أربعين سنة قادمة من الوصول إلى ما كانت عليه قبل الصراع، فيما لو توقف القتال اليوم.
إن ما خسرته سوريا لا ينبغي أن يقدر فقط بعدد الشهداء، والجرحى، واللاجئين، وما هدم من البنية التحتية والمنازل والمؤسسات، وهذه عناصر مهمة في التقدير، ولكن يجب علينا أن نتجاوزها إلى الخسائر غير المنظورة التي تتعلق بمستقبل سوريا كدولة وكشعب ومستلزمات حياة صحية وتعليمية واقتصادية وغيرها.
لقد تمكنت الصهيونية من خلال الدول القوية الدولية والإقليمية من استثمار الأزمة السورية، لتحطيم الثورة والنظام معا، وإجبارهما لاحقا للقبول بما تمليه هذه الدول. لقد فشلت الأطراف السورية بعد أن غرقت في معركة الدم من إدراك المخططات الخارجية، وهي حين تدركها تفشل في التعامل الإيجابي معها، لذا جاء فشل جنيف- ٢ تعبيرا عن هذه الحالة من غيبة الإدراك.
بإمكان كل سوري أن يسأل السؤال القائل: بعد هذا كله من سيحكم سوريا؟ وكيف سيحكمها؟ وهل تبقى شيئا متماسكًا لإقامة الحكم؟ هذه الأسئلة هي جزء من أسئلة المستقبل، وهي تتحدث عن الخسائر التي لا تحصيها الآن المنظمات الدولية، ويجدر أن يحصيها الفكر الوطني السوري قبل غيره.