الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العجز الأميركي شجع النظام السوريّ!

العجز الأميركي شجع النظام السوريّ!

31.08.2013
عبدالعزيز التويجري



الحياة
الخميس 29/8/2013
ظلت الولايات المتحدة تكرر القول، ومنذ اندلاع الثورة الشعبية في سورية، بأنها ستتدخل في حالة ما إذا أقدمت السلطات السورية على استخدام الأسلحة الكيماوية. فلما تحدى النظام السوري العالم أجمع واستخدم فعلاً الأسلحة الكيماوية مرات عديدة، آخرها الهجوم الكيماوي الذي شنه ضد الشعب في ريف دمشق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية «أن الولايات المتحدة غير قادرة على القول بشكل قاطع إن أسلحة كيماوية استخدمت في الهجوم، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمر أجهزة الاستخبارات بالعمل على جمع معلومات للمساعدة في التأكد من المزاعم». وهذا يعني، بالوضوح الكامل، منتهى العجز عن الوفاء بالوعود، وعن الالتزام بالمبادئ الدولية التي تحرم استخدام الأسلحة الكيماوية. كما يدل ذلك على أن الأمد سيطول قبل حصول الإدارة الأميركية، من أجهزة الاستخبارات، على الأدلة القاطعة التي تقطع الشك باليقين. وكأن تلك الأجهزة كانت غائبة عن الميدان، أو هي ليست قريبة من مواقع الأحداث، بل ومشاركة أحياناً في صنع بعضها.
وإلى أن تحزم واشنطن أمرها وتبادر بالقيام بما يوجبه عليها التزامها الأخلاقي والسياسي بحفظ السلام والأمن في العالم، سيكون الشعب السوري قد أبيد، وستكون الأرض السورية قد أحرقت، وسيظل النظام الإجرامي السوري، رابضاً فوق الجماجم يلوح بعلامات النصر، بينما تقف روسيا وإيران إلى جانبه داعمتين مؤيدتين بلا حدود، وستكون المنطقة بكاملها قد بلغت درجة من التوتر والاضطراب تنذر بخطر عظيم، ما لم يتحرك حكماء العالم وينتفض الضمير العالمي لإنقاذ الإنسانية من الجرائم التي ترتكب في حقها على مرأى الجميع ومسمعه.
لقد انكشفت الحقائق على الأرض، فتبين أن واشنطن تضع في الاعتبار موقف اسرائيل وموسكو قبل أن تتخذ أية خطوة إيجابية في اتجاه إنهاء المأساة الإنسانية الفظيعة التي يعاني منها الشعب السوري منذ نحو ثلاث سنوات. فهي عاجزة تماماً عن المبادرة خارج الحسابات التي تضعها في الاعتبار تجاه هاتين الدولتين ويبدو أنهما تدركان هذا العجز الأميركي فتتمادى روسيا إلى أقصى الحدود في دعمها للنظام السوري في الحرب الشرسة التي يخوضها ضد الشعب الذي هو في نظره مجرد «جماعات إرهابية»، وبهذا الزعم تخدع العالم، وتسوق له بضاعة مغشوشة، وتستمر إسرائيل في ضمان إطالة هذا الصراع ليفنى الراعي والغنم جميعاً.
كما توضَّح بالقدر الكافي، أن الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس الأميركي باراك أوباما وأعلن أنه لن يسمح بتجاوزها، هي خطوط غير واضحة المعالم، تتداخل فيها الألوان، وهو الأمر الذي يعكس خللاً في الرؤية إلى الأمور، وفي فهم ما يجري على الأرض، بل حتى في مراعاة المصالح الأميركية في المقام الأول في المنطقة ومكانة الولايات المتحدة في العالم أجمع. فالعجز الأميركي الناتج من التردد الذي مصدره عدمُ اليقين، وعن حسابات سياسية ومقاربات استراتيجية غير سليمة، وعن أمور أخرى غامضة ومجهولة حتى الآن، يضرّ بمصالح الشعب الأميركي، في المديين القريب والبعيد، بقدر ما يضر بمصالح الغرب وبالمصالح الإنسانية، بصورة عامة.
إن الإدارة الأميركية تتحمّل اليوم، بترددها وتخاذلها، المسؤولية التاريخية عن إبادة الشعب السوري على يد النظام الإجرامي الطائفي الذي لا يتورع عن استخدام الاسلحة الكيماوية ضده وتصفيته تدريجياً بالقتل، وبالتهجير، وبالزج بمئات الآلاف من المواطنين والمواطنات في السجون وتعريضهم جميعاً لأشدّ وأقسى أنواع التعذيب مستعيناً في ذلك كله بقوى طائفية تقودها إيران. ففي مستطاع الولايات المتحدة الأميركية، إذا هي أرادت، أن تنقذ هذا الشعب مما يتعرض له من مآسٍ إنسانية رهيبة، وإذا هي استجابت لنداء الحق وصوت العدالة ومنطق القانون الدولي، وحركت حلفاءها الغربيين لاتخاذ مواقف عملية ذات تأثير مباشر على تطور الأحداث في سورية، وفي دول المنطقة على وجه العموم.
إنَّ هذا التحدي للعالم أجمع الذي يمارسه النظام السوري، هو أمرٌ محيرٌ للألباب ينطوي على غموض شديد. ولكننا إذا ما وضعنا في الاعتبار المواقف التي تتخذها حتى الآن الولايات المتحدة الاميركية، ومن ورائها فرنسا وبريطانيا وألمانيا تجاه ما يحدث يومياً من جرائم في سورية، يمكن لنا أن نفهم إلى حد ما، هذا اللغز المحير للعقول. ذلك أن هذه المواقف المتخاذلة المتذبذبة غير الواضحة بما فيه الكفاية، هي التي تشجع النظام السوري على مواصلة ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وهي التي تفشل المساعي والمبادرات والمواقف التي يتخذها الائتلاف الوطني والمعارضة في الداخل والخارج، وهي التي ستطيل أمد هذا الدمار الذي يأتي على الأخضر واليابس في سورية.
لقد تبيّن للقاصي والداني أن النظام السوري الاستبدادي مستمرٌ في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وأنه تأخذه العزة بالإثم، ولا يتورع عن المضيّ في هذه السياسة الوحشية إلى آخر المطاف، ما دام المجتمع الدولي يفسح له المجال - أحياناً بشكل مكشوف - لمواصلة إبادة الشعب السوري، وما دام العرب، بصورة خاصة، عاجزين عن القيام بالواجب المنوط بهم إزاء هذه المأساة فلا يتحركون في الاتجاه الصحيح، وهذا فصل آخر من فصول الفوضى الهدامة المفروضة على العالم الإسلامي.