الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العدناني إذ يعلن الخلافة .. ماذا بعد؟

العدناني إذ يعلن الخلافة .. ماذا بعد؟

03.07.2014
ياسر الزعاترة



الدستور
الاربعاء 2/7/2014
ربما كان إعلان الناطق باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” للخلافة الإسلامية مفاجئا بعض الشيء، لاسيما أن المسافة الفاصلة بين الدولة وبين الخلافة هي أقرب إلى خلاف في المصطلح أكثر من أي شيء آخر، وكان بالإمكان الانتظار بعض الشيء حتى ينجلي الموقف الراهن، لكن المكاسب التي حققها التنظيم في العراق ربما أغرت قادته بالتسريع بهذا الإعلان، ربما قناعة منهم بأنه يداعب أحلام كثيرين في العالم العربي والإسلامي.
الخلافة هي تطور طبيعي بحسب النهج الذي سار عليه التنظيم منذ لحظة ولادته، فهو بدأ باسم “التوحيد والجهاد”، وأسسه أبو مصعب الزرقاوي، ثم أصبح “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، ثم أسس “مجلس شورى المجاهدين”، ثم انتقل إلى “الدولة الإسلامية في العراق”، ثم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وأخيرا الخلافة الإسلامية.
يستعيد الإعلان الجديد صورة الخلافة في أدبياتها التقليدية، وحيث يجب أن تكون في “قريش”، والخليفة (البغدادي) قرشي النسب كما ذكر العدناني، ثم إن لها ولاية على كل المسلمين الذين ينبغي أن يبايعوها، ومن حسن حظ أنه لم يشمل بذلك على سبيل القسر سوى من يقع تحت ولايتها، “من حلب إلى ديالى” كما قال، مع أن المساحة المشار إليها ليست جميعا تحت سيطرتها، وهنا تكمن معضلة كبيرة تتمثل في أن على جميع الموجودين في هذه المساحة أن يبايعوها، وإلا اعتبروا خارجين عن ولاية الخليفة.
لن نناقش هنا مسألة إخلاص القوم، ولن نردد تلك المقولات الخاطئة في اعتقادنا حول صلاتهم بإيران أو النظام السوري، مهما ساق البعض عليها من أدلة قد يكون بعضها صحيحا من ناحية معلوماتية، لكنها تأتي في إطار من فهم قادة الدولة للغة الحرب والتعامل مع العدو، وليس في إطار من العمالة.
على أن إخلاص النية، والشجاعة والإقدام لا يستتبع بالضرورة صواب الرؤية، ولا المسار، وعلى أنصار تلك الخلافة أن يتقبلوا آراء الآخرين دون أن يتورطوا فيما تورط به خصومهم من وصف الخوارج، ففي السياسة يبقى الأمر قابلا للخلاف، لأن تقدير الموقف السياسي معقد في كثير من الأحيان، فيما تبدو اللحظة الراهنة من أكثر المراحل تعقيدا نظرا للفوضى العارمة التي تسود المنطقة.
ولو جئنا نفتش في تداعيات الإعلان الجديد، فإن تأثيره السلبي لا يكمن في تكثيره لجبهة الأعداء الخارجيين للتنظيم أو الدولة أو الخلافة، فهؤلاء لهم موقفهم المناهض لها في كل الأحوال، وإن قاسوا تحركهم بميزان دقيق كما يبدو نظرا للأوضاع المعقدة المشار إليها، لكن المعضلة الأكبر هي تلك المتعلقة بالموقف من القوى والفصائل الأخرى، إن كان تلك العاملة في العراق، أم تلك الفاعلة في سوريا، فالخليفة يطلب منهم أن يبايعوه ويحلوا جميع التنظيمات والفصائل والجبهات التي ينضوون تحتها، وهم لن يقبلوا ذلك، ما يعني موجة اقتتال أكثر عنفا، ولكن بصيغة أخرى، إذ أن تهمة الخوارج التي رميت بها الدولة ستتحول الآن إلى الآخرين الخارجين على “الخليفة الشرعي”.
وفي وضع الاشتباك بين تنظيم الدولة أو الخلافة، وبين الفصائل الأخرى في العراق وسوريا، فإن المستفيديْن هما المالكي وبشار، وبطبيعة الحال إيران التي تدير معركتهما وتدفع الجزء الأكبر من كلفتها. ليس ذلك قدرا بكل تأكيد، فقد يحتفظ كل طرف بمواقعه الموجودة حاليا، لكن مخاوف الاشتباك تبقى موجودة، وفي العراق يُخشى أن يؤدي التطور الجديد بإعلان الخلافة إلى تفاهم أو تسوية بسقف متدنٍ مع إيران هربا من تداعيات مبايعة البغدادي.
لكن العنصر الأهم في المعادلة الراهنة سيكون ذلك المرتبط بميزان القوى العسكري على الأرض، وما إن كانت أمريكا ستتدخل بضربات جوية أم ستواصل الانتظار، فضلا عن حصول المالكي على أسلحة جديدة، ومنها طائرات. ولأن الوضع ليس محسوما في أي اتجاه، فإن الفوضى ستستمر لزمن لا يُعرف مداه، وستكون النتيجة هي حصيلة تدافع جميع القوى الفاعلة على الأرض، لكن النهاية لن تتضح قبل أن تقتنع إيران بأنها لن تأخذ من نفوذ في المنطقة أكثر مما يمنحه إياها حجمها الطبيعي، وليس طموحها، أو غرور القوة الذي يتلبسها بتعبير أدق. ولا شك أن تنظيم الدولة (الخلافة حاليا)، وأيا يكن مآل مشروعة؛ سيكون له دور في هذا التدافع، تماما كما كان فاعلا في إجهاض مشروع الغزو الأمريكي الذي لو نجح لكان شكل المنطقة مختلفا تماما عما هو عليه الآن، ولكان نتنياهو هو سيد المنطقة بلا منازع، ولكانت أمريكا هي سيدة الكون، وليست مجرد قوة من عدد من القوى الكبرى في العالم، كما هو حالها الآن بعد نزيفها في العراق وأفغانستان.