الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العراق وسورية .. هوليوود الفصل بين الشرقين الأوسطين

العراق وسورية .. هوليوود الفصل بين الشرقين الأوسطين

02.07.2014
عبد اللطيف الضويحي



عكاظ
الثلاثاء 1/7/2014
لا أظن أن أحدا يعرف الحقيقة الكاملة لما يجري وما سيجري في العراق وسورية، إلا من اصطفاهم مخرج فيلم الشرق الأوسط الجديد. هذا المخرج يستخدم لأول مرة في فيلمه تكنيكا جديدا، وتقنية جديدة، وأدوات جديدة وغير مسبوق في صناعة وإدارة الأفلام بالتمويه والتضليل فلا يعرف الممثلون زملاءهم في العمل، ولا يعرفون إن كانوا أبطالا لهذا الفيلم أم هم ممثلو كمبارس. يعتمد هذا المخرج كثيرا على الخلط المستمر للأوراق في الميدان وفي الإعلام، يسبق الإعلام أحداث الميدان وأحيانا يسبق الميدان الإعلام. أما المتفرجون فلا يعرفون المخرج أو المنتج أو الممثلين أو الجمهور. يبدو أننا أمام صناعة هوليوودية جديدة تستند إلى أنصاف الحقائق العراقية وأنصاف الحقائق السورية لإتمام العمل الهوليوودي الضخم الجديد، هذا المخرج يصنع الأحداث ويديرها في سورية والعراق، وفي فلسطين وكافة المناطق التي تتصدر نشرات الأخبار اليومية.
منذ بدء الحرب في سورية، والإعلام يصبحنا بأطراف يتصارعون ويمسينا بأطراف مختلفين يتصارعون. خصوم يتصارعون في شمال سورية ويتحالفون في شرقها وغربها. أهداف حرب في حلب وأهداف حرب أخرى في الرقة وفي الساحل. أجندات حرب تصنع على حدود سورية التركية، وأهداف أخرى تصنع على حدود سورية العراقية.
حرب مذهبية تارة وحرب داعشية تارة أخرى. حرب داخلية أحيانا وحرب إقليمية تارة وعالمية تارة أخرى، انفجارات في بغداد لتتم الهدنة كلما انفجرت
أحرص شخصيا على متابعة إعلام كل الأطراف المتنازعة فتزداد الصورة غموضا في كل مرة أحاول فيها بناء صورة واضحة ومنطقية لما يجري، وأصبحت الصورة مظلمة تماما عندما دمج مخرج الفيلم المشهدين العراقي والسوري معا ليتصدر المشهد الجديد بطلا جديدا، هو خليط من كل الأهداف المتناقضة في فسيفساء الحرب.
يبدو أن المخرج كان مضطرا بعد أن مزج المشهدين العراقي والسوري لأن يقدم للإعلام كيانا غامضا يصب في متناقضات التحالفات والعداوات في العراق وسورية وغيرهما من دول المنطقة. ويلبي رغبة دفينة يعرفها المخرج وربما بعض أطراف الصراعات في المنطقة، أساسها تقسيم المنطقة لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.. هذا المخرج متمكن جدا من صناعة وإدارة عمليات الهدم والبناء، فالهدم هو ما يسمى بالفوضى البناءة والبناء هو ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد. ولكي يمر هذا المشروع ويبدو منطقيا ومنسجما مع الأحداث، كان لا بد لهذا المخرج من إبعاد الأطراف المتمصلحة من الصراعات والنأي بها طوال الأحداث، وذلك بغية تحقيق مصالح تلك الأطراف وقطف ثمار الصراعات التي تتنقل ككتلة اللهب من حقل لآخر تشتعل هنا وتنطفئ هناك بتناغم مع مراحل المشروع. فأقصى الأكراد على سبيل المثال عن الصراعات ونأى بهم في سورية والعراق، وعن الأحداث، بل وأظهرهم كثيرا بصورة ضحايا أطراف صراعات غيرهم لكي يمكنهم في أحد عقد التراجيديا في الفيلم من الهيمنة على المناطق المتنازع عليها مع الحكومة العراقية المركزية، وذلك تهيئة ووصولا للمحطة الأخيرة التي يرمي لها المخرج وهي تقسيم العراق والمنطقة العربية على أساس طائفي وعرقي وإثني.
أي قدرة هذه التي مكنت هذا المخرج من إخفاء شخصيته بهذا القدر من التلون والتمويه حتى انطلت على أغلب أطراف الصراع والمتفرجين أنه يدعم كافة أطراف الصراعات أو أغلبها دون علمها أو بعلم بعضهم، ويعطي أوامر بدء الحرب هنا وشارة التوقف هناك، ويدعم بالسلاح من لا يدعمهم بالإعلام، ويستبيح حدود الدول ويعزل المدن والقرى ويهجر على أساس طائفي وعرقي وجغرافي ويتفاوض معهم بالنيابة عنهم، ويحاربهم في الصباح ويصادقهم في المساء أي إمكانات استخبارية وعسكرية وسياسية وإعلامية مكنت هذا المخرج من أن يستمر طوال هذه المدة دون أن يعلن عن نفسه مباشرة في كل ما يجري في الدول العربية وأن يستخدم كل هذه المساحة الجغرافية ميدانا لإنتاج فيلمه ويدير كل أنواع التناقضات الأيديولوجية والسياسية والمصلحية، يوائم بين بعضها متى شاء ويضربها ببعضها متى شاء ؟ أي قدرات تجعل الإعلام بكل أطيافه ومؤسساته واختلاف انتماءاته وإعلام الأفراد والإعلام الاجتماعي كله يشارك في تحقيق هذا الفيلم ؟ أي هوليوود هذه التي تنتج هذا النوع من المتعددة الأهداف والمراحل والأبطال دون أن تمنعه أو تحد من قدراته حدود سياسية أو طبيعية أو إمكانات عسكرية وتقنية ؟
هل هي نهاية تاريخ سيادة الدول العربية أم بداية سيادة إسرائيل ؟