الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب إذ تقسّم سوريا

العرب إذ تقسّم سوريا

04.11.2015
فايز الفايز



الشرق القطرية
الاثنين 3/11/2015
عندما ذهب بشار الأسد إلى موسكو قبل أسبوعين لم يذهب للاستجمام، بل إنه اقتيد إلى هناك بموجب مذكرة جلب رئاسية، ورغم أنه طبيب عيون فإنه كان بحاجة إلى عملية تصحيح نظر مباشرة من الطبيب السياسي فلاديمير بوتين الذي وجد في سوريا ميدانا واسعا ليثبت وجوده كمنافس أوحد للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لهذا فإن الأسد الذي خنقته القبضة الإيرانية المتطرفة، لم يعد يملك تصورا عن شكل مستقبل سوريا القادم بعدما كان الوحيد الذي يدعي السيادة، أكان بوجوده أو بغير وجوده على رأس السلطة، فالحديث عن تقسيم سوريا لم يكن وليد الساعة، بل نهضت فكرته أكثر مؤخرا رغم فحوى بيان المجتمعين في "مؤتمر فينا2" الجمعة، الذي أكد على وحدة الأراضي السورية ضمن بنوده التي ليس لها أصل على واقع الصراع هناك اليوم. حاول الأردن باتفاقه مع روسيا عسكريا حول سوريا ضمان الهدوء على الجبهة الجنوبية في سوريا، وعدم استهداف مناطق الجنوب، والتنسيق مع الجانب الروسي أفضل من عدمه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتحليق الطيران الحربي الروسي وقصف المناطق والمدن التي تتواجد فيها الأهداف المنتقاة للضربات الجوية، فكل ضربة تتبعها حركات هروب ونزوح بشري ولجوء إلى مناطق أخرى، والأردن فاض وعاؤه بما عنده من اللاجئين الهاربين من ويل الحرب، ومع هذا يبقى السؤال ماذا لو تم فعلا تقسيم سوريا على أساس الوجود العرقي والطائفي والقوى المتطرفة؟!. آخر التصريحات بهذا الخصوص كانت ل"تشارد هاس"، الدبلوماسي الأمريكي السابق ورئيس مجلس العلاقات الدولية، الذي قال "إن نجاح خطة إرسال قوة أمريكية إلى المناطق الكردية سيؤدي إلى تقسيم سوريا"، وأضاف هاس في حديثه لمحطة سي إن إن: "هذه ليست إستراتيجية لسوريا بأكملها وليست بداية لاستعادة سوريا كدولة... وما سينتهي إليه الأمر هو أنه وفي حال نجحت هذه الخطة فإنه سيكون هناك قرابة ست مناطق في سوريا واحدة للنظام السوري وأخرى للأكراد وثالثة لداعش وأخرى للنصرة وغيرهم وهذا ما ننظر إليه إن نجحت الخطة الجديدة". وهذه التوقعات ليست جديدة، فقد أثارت تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية "برنارد لاجوليت" الأسبوع الماضي في أحد المراكز الأكاديمية الأمريكية، أن الشرق الأوسط الذي نعرفه قد انتهى ولن يعود، مؤكدا واقع الحال في سوريا عندما وصفه بالمقسّم ما بين منطقة تحت سلطة الأكراد وأخرى لداعش وثالثة للنصرة وغيرها لبقية القوى، فيما أيده نظيره الأمريكي "جون برينان" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بقوله: "الدول التي تم تشكيلها بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تتغير جذريا الآن"، ولكن الاستخباري الفرنسي ذهب أيضا للتأكيد على تقسيم العراق فعليا أيضا. لننظر إلى الداخل السوري عن كثب بعدما جلب النظام السوري كل حلفائه الطائفيين إلى وطن كان شعبه متعايشا تماما مع الاختلافات العرقية والمذهبية والدينية على أساس أنها مزيج اجتماعي مفيد، وصمت الشعب السوري ذو الأغلبية السنية على حكم الأقلية العلوية وحكم القيادات العسكرية المقربة من عائلة الأسد، ولنتذكر كيف كانت سوريا منطقة الصناعة والزراعة والتجارة العربية التي تضخ منتوجاتها في الأسواق العربية لفائدة المستهلك، ولنعيد النظر أكثر اليوم لنرى كيف حول النظام هذه الصناعة إلى صناعة الموت والتهجير والتفتيت العرقي وتجارة الحرب ضد الشعب الذي ضاع ما بين قوات النظام ومليشياته وما بين تنظيمات تقاتل النظام وتنظيمات تتقاتل للسيطرة على مناطق نفوذ لها، فيما الحل الحقيقي لن يأتي قريبا. هذه الخريطة الجديدة لسوريا والتي ستمتلئ بالألوان العرقية والطائفية المتقاتلة يجب ألا تعفي الدول العربية المعنية وتحديدا السعودية وقطر والأردن، المنخرطين فعليا بالصراع السياسي في سوريا، من المسؤولية القومية والوطنية أيضا، وذلك بوضع شروطهم على الطاولة لمنع أي تغيير أو مساس بالجغرافيا السياسية للدولة السورية القادمة، وعدم تسليم العرب السنة في سوريا قرابين للقوى العظمى تسوقهم كالعبيد للنظام القادم أي كان، فشئنا أم أبينا فإن روسيا باتت هي المتحكم بخيوط اللعبة، وإيران بقواتها على الأرض لن تتخلى عن مخططها لبقاء النظام الموالي لها على كل الأرض أو في المناطق الساحلية والغربية والعاصمة، لأنها باختصار لن تتقبل هزيمتها في سوريا لأنها ستخسر لبنان أيضا، وتؤثر عليها في العراق فيما بعد، فيما تركيا التي انتصر فيها الإسلام السياسي المعتدل لا تزال تنتظر ما الذي سينتهي له أمر الأكراد في الشمال، فماذا ينتظر العرب؟.