الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب وأمريكا: من (إدارة) العلاقات إلى علاقات (الإرادة)

العرب وأمريكا: من (إدارة) العلاقات إلى علاقات (الإرادة)

18.05.2015
وائل مرزا



المدينة
الاحد 17-5-2015
العرب وأمريكا: من (إدارة) العلاقات إلى علاقات (الإرادة) منذ ستة أعوام، في مثل هذا الشهر تحديداً، وقبل زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأولى إلى الرياض بعد انتخابه رئيساً في ولايته الأولى، نشرتُ في هذه الصحيفة مقالاً بعنوان (أمريكا والدور المحوري للخليج)، حملَ المقال انتقاداً للمقولة الشائعة عن قدرة مراكز الدراسات والأبحاث ودوائر صناعة القرار في أمريكا على فهم الواقع العربي بشكلٍ دقيق. وتحدث، تحديداً، عن الصورة النمطية في الأوساط السياسية الأمريكية عن دول مجلس التعاون الخليجي، وهي صورةٌ "كانت مبنيةً على رؤية المنطقة من منظور كونها خزاناً استراتيجياً للنفط . وبالتالي، فإن علاقة أمريكا مع تلك الدول كانت محصورةً في صياغة سياساتِ تعاون تُرّكزُ على أمن المنطقة، واستمرار قدرتها على ضخ النفط في شرايين الاقتصاد العالمي. لهذا، لم تأخذ تلك السياسات بعين الاعتبار لعقودٍ طويلة التأثيرَ الممكن لدول الخليج في السياسات الإقليمية وحتى العالمية، إلا من خلال ذلك الجانب الوحيد، أي المسألة النّفطية. تغيّرت هذه النظرة إلى حدٍ ما بعد أحداث سبتمبر المعروفة، لكن المدخل كان أيضاً جزئياً حين تمّ اختزالهُ في موضوع التعاون على مكافحة الإرهاب".
وفي مطلع شهر مارس / آذار من العام الماضي 2014، نشرتُ مقالاً، أيضاً في هذه الصفحة، بعنوان (في الحاجة لردٍ استراتيجي عربي على الاتفاق الاستراتيجي بين أمريكا وإيران)، بدأ بالعبارة التالية: "لايُمكن التعامل مع الصفقات الاستراتيجية الكبرى إلا من خلال صفقات شاملة مقابلة تحمل أيضاً الصفة الاستراتيجية. ولايُمكن استيعاب الاختراقات غير المألوفة، والكامنة في الاتفاقات الاستراتيجية التي تستهدف مصالح العرب، وربما وجودهم، إلا باستحداث اختراقات غير مألوفةٍ أيضاً في الصف العربي الداخلي على كثيرٍ من المستويات". وبعد الحديث عن "صفقة استراتيجية كبرى تمت أو في طريقها للاكتمال بين النظام الإيراني والإدارة الأمريكية" . جاءت خاتمةُ المقال كما يلي: "كيف يقرأ أصحاب العلاقة هذا المشهد الاستراتيجي الحساس وكيف يتعاملون معه؟ من الواضح أن القراءة الراهنة، وماينتج عنها من سياسات، لاتكفي إطلاقاً لاستجابةٍ فعالة للقادم الخطير. لامفر إذاً من مراجعةٍ خلاقة وجذرية تحرص على توظيف كل الأوراق الممكنة في مواجهة هذا التحدي الخطير، ولو اقتضى الأمر اختراقات قد تكون غير مألوفة في عالمنا العربي، لكنها اختراقاتٌ لايُستغنى عنها في السياسة الدولية، وهاهي إيران وأمريكا تُقدم لنا نموذجاً عنها هذه الأيام".
بغض النظر، مبدئياً، عن نتائج القمة الخليجية الأمريكية، على أهميتها، لايمكن اعتبارُها، على المستوى الاستراتيجي، إلا بدايةً جديدة لنمطٍ مُختلف من العلاقات.
أدركت الإدارة الأمريكية دلالات هذه التطورات، خاصةً منذ بدء (عاصفة الحزم)، وأدركت، أكثرَ من ذلك أن العاصفة المذكورة لاتتعلق باليمن فقط، بل بالمنطقة بأسرها. وأنها عاصفةٌ تهدف لإحداث نقلةٍ في العلاقة معها من كونها مجرد (إدارة) قائمة على الرؤية الأمريكية النمطية، لتصبح علاقة نديةً قائمةً على وجود (الإرادة): المرادف الأقرب لـ (حزمٍ) أحدث اختراقات في السياسات العربية غير مسبوقة، ولم تكن أمريكا، بحكومتها ومراكز دراساتها وأبحاثها، تتوقعُ حصولها في قريبٍ أو بعيد.
لهذا، نسمع اليوم في العاصمة واشنطن همساً يتصاعد من زاويةٍ لأخرى عن ضرورة إعادة رسم الأجندات البحثية لدراسة المتغيرات الجديدة، وعن واقع (المفاجأة) الذي تعيشه كل المؤسسات ذات العلاقة، حكوميةً كانت أو خاصة.
هكذا هي أمريكا. وهذه هي (واقعيتُها). يفرض (الواقع) نفسه عليها، فتركض لاستيعابه ومحاولة فهمه. حصلَ هذا، بكل صراحة، مع إيران حين بدأت، بممارساتها، تفرضُ واقعاً مُعيناً في المنطقة. وهاهو يُكرر نفسه مع ملامح وبدايات (الحزم) الخليجي الذي يُفترض أن يمثل العرب بأسرهم ليكون أكثر فعاليةً وتأثيراً.
ومن واقع ذلك الإدراك، يأتي استمرار الحزم المذكور، بكل جوانبه، وخاصةً في سوريا الآن، ليكون العامل الرئيس في إقناع الأمريكان بضرورة بناء علاقةٍ استراتيجية جديدة مع المنطقة، لن تَضمَنها التصريحات ولا حتى المكتوب على الورق، بقدر ماتضمنها الممارساتُ والأفعال