الرئيسة \  مشاركات  \  العرب وإسرائيل : بين الاستراتيجية والتكتيك ؟

العرب وإسرائيل : بين الاستراتيجية والتكتيك ؟

14.09.2014
د. محمد أحمد الزعبي




مع إطلالة هذا الصباح سألني أحد الأصدقاء ( عبر الهاتف ) : هل تعرف " فلان الفلاني " ؟ ، قلت نعم أعرفه، وهل تعرف أنه الآن يحضر مؤتمراً في إسرائيل؟ قلت لا ، قال مارأيك؟ . ولم أكد أضع سماعة الهاتف في موضعها المألوف ، حتى اتصل صديق آخر ، ليسالني : هل تعرف " زيداً" قلت له لا ، قال لقد كتب هذا اليوم في الفيسبوك تعليقاً مربكاً ومرتبكاً يتعلق بحضور فلان الفلاني مؤتمراً في إسرائيل حول سورية ، يقو ل فيه : ترى لو أن ثورتنا ( يقصد ثورة آذار 2011 ) انتصرت على بشار الأسد منذ يومها الأول ، أي يوم كان لدينا الحول والقوة والجيش الكامل العتاد والعدة ، ترى هل كنا قادرين على تحرير شبر واحد من الجولان ؟، قكيف بنا الآن وقد بتنا بلا حول ولاقوة ولا جيش ؟ إذن فلابد من تقدير شجاعة هذا الفلان الفلاني، الذي يزورإسرائيل اليوم، فما رأيك؟.
لقد وضعني هذان السؤالانأمام مسؤولية وطنية وقومية وأخلاقية ، وكان علي أن أقنع نفسي قبل أن أقنع الآخرين فيما إذا كان حضور فلان الفلاني مؤتمراً في إسرائيل صحيحاً أم مشبوهاً ؟وفيما إذاكان تعليق الشخص الآخرعلى مشاركة هذا الفلان في المؤتمر، هي بدورها صحيحة أم خاطئة ؟
عدت بذاكرتي إلى الوراء، بل إلى وراء الوراء ( بالإذن من صاحب التعبير ) ، بحثاً عن الإجابة المقنعة والموضوعية لهذين السؤالين، وكانت التصورات التالية هي ما وصلت إليه :
1.تعتبر هزيمة التيار القومي العربي ، ممثلاً بجناحيه الرئيسيين ، جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري (حركة 23 شباط 66 ) أمام إسرائيل عام 1967، والذي احتلت فيه إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية ، وهضبة الجولان السورية ، والضفة والقطاع الفلسطينيين ، والشبهة التي تدور حول احتلال إسرائيل لهضبة الجولان دونما حرب ( على البارد ) ، وحول البلاغ رقم 66 الذي أعلن فيه عن سقوط مدينة القنيطرة ، قبل أن يكون قد وصلها أي جندي إسرائيلي ، نقطة التحول الكبرى في الموقف العربي من القضية الفلسطينية عامة ، ومناحتلال إسرائيل لفلسطين خاصة .
2.تمثل هذا التحول الكبيروالخطير ، من جهة، بالتعارض الواضح والمكشوف بين موقف معظم " الأنظمة الحاكمة " وموقف الجماهير الشعبية ، من حيث تماهي موقف هذه الأنظمةبعد هذه الهزيمة ، مع موقف أمريكا والغرب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقيام دولة " إسرائيل " ،ومن جهة أخرى، بانقسام الموقف الشعبي نفسه في الوطن العربي ( ومنه سورية ) ، بين يائس من إمكانية الانتصار على إسرائيل ، وبالتالي تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني ، وبين معتمد على مثل ( بفتح الميم والثاء ) " الحروب الصليبية / حروب الفرنجة " التي استمرت قرابة القرنين من الزمن (1096م ـ 1291 م )،ثم انتهت بداية بانتصارصلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وتحريرالمقدس(1187 م ) ولاحقاً بانتصارات الظاهر بيبرس وحفيده سلطان مصر الأشرف خليل وطرد الصليبيين / الفرنجة من آخر معاقلهم في عكا عام ( 1291 م).
3. وكانت ثالثة الأثافي في هذا التحول الكبير ، استلام حافظ الأسد زمام السلطة في سوريا عام 1970 ، ومذابحه المتعددة والمتكررة ضد الشعبين السوري واللبناني وأيضاً الشعب الفلسطيني ، ولاسيما ضد الأغلبية السنية في هذه المجتمعات ، والتي تتوجت بمذبحتي سجن تدمر 1980 ، ومدينة حماه 1982 في حياة الأب ، وبمذبحة سوريا بشراً وشجراً وحجراً على يد ابنه بشار وأعوانه من شبيحة إيران والعراق ولبنان ، والمستمرة منذ منتصف آذار2011 وحتى هذه اللحظة .
هذا وتسجل مذابح عائلة الأسد في سورية بداية ظهور ظاهرة المقارنة الخاطئة والمعيبة ، بين أفعال إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ، وأفعال عائلة الأسد ضد الشعب السوري . لقد نسي فرسان هذه المقارنة أن إسرائيل هي دولة غريبة ومحتلّة لفلسطين ، بينما تعتبر الطائفة العلوية و" أسودها ! " جزءاً لايتجزأ من الشعب العربي السوري ، وبالتالي فإن مقارنة مايفعله المحتل بسكان البلد الذي يحتله ، لاتصح مقارنته بما يفعله نظام عائلة الأسد ( السورية الأصل والفصل ) بالشعب السوري . إنه لمن المفروض أن تكون أفعال نظام عائلة الأسد في سورية مدانة ألف مرة أكثر من إدانتنا لأفعال إسرائيل في فلسطين المحتلة. هذا وقد برهنت حرب غزة الأخيرة ، والتي لم تنته بعد ، أن إسرائيل في تدمريها لقطاع غزة الذي هو ليس أرضها ولا بلدها كانت منافس حقيقي لبشار الأسد في تدميره لبلده سورية . لقد كان شهاب الدين وأخيه في هذه الحال ( ومع الأسف الشديد ) صنوان ، ولكن مع الفارق الذي أشرنا إليه .
4.إن ظهور ظاهرة المقارنة الخاطئة ، بين مايفعله الأسد في سورية وما تفعله إسرائيل في فلسطين والمدفوعة أصلاً باليأس والتشاؤم ، المرتبطان بدورهمابهزائم العرب المتكررة أمام إسرائيل ، دفع ببعض ابناء الثورة السورية ، إلى موقف أكثر خطورة وخطأً ، ألا وهو ضرورة أن نعترف يإسرائيل ، وننهي هذه اللعبة التي لاأمل في الانتصارعليها فيها ، ولاسيما أنها " كيان " أوجدته الدول العظمى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو محمي بقدراتها ( الدول العظمى ) العسكرية الفائقة التي لاقدرة لنا ــ كعرب محدودي القدرة ــ على احتمالها .إن فرسان هذا الرأي ، الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ، ينسون ( أو يتناسون ) ، أن قدرتنا المحدودة ( ضعفنا ) إنما هو بسببهم ، وأنهم إنما أوجدوا " دوللة أسرائيل " بالضبط ، من أجل أن يحافظوا بها على تخلفنا وعلى ضعفنا وعلى خضوعنا " لأولي الأمر " الذين هم أزلامهم وعملاؤهم ، وأنهم هم ( الدول العظمى ) من تآمرعلى بعض القادة الذين أدركوا بحسهم الوطني ، أهداف هذه الدول الإمبريالية الكبرى ، القريبة منها والبعيدة ، وذلك عبر إيجادهم وبالتالي دعمهم للكيان الصهيوني ، فقاموا بالتخلص منهم بهذه الطريقة أو تلك ( جمال عبد الناصر وصدام حسين على سبيل المثال لاالحصر ) .
5.نعرف ـ من جهتنا ـ أن بعضاً من أبناء ثورة آذار 2011 ، قد تسرب إلى أفكاره ، بل وإلى مواقفه أحياناً ، ماأشرنا إليه من ظاهرة اليأس والتشاؤم ، وبدأ يمزج بين مبدأ الاسترتيجية وعنصرالتكتيك ،
ويهرب من هذه إلى تلك ، بين مقالة وأخرى ، أوبين موقف وآخر ، وهكذا اختلط الحابل بالنابل ، ولم نعد نعرف " رأسنا من رجلينا " ، والأمثلة دائماً جاهزة على الأرض ( الممارسة ) وهي غالباً ماتكون في خدمة النقيضين معاً . إن مانرغب أن نلفت نظر الأخوين " فلان الفلاني " و " زيد "(الذين أشرنا إليهما في مطلع هذه المقالة) إليه ، هو ضرورة أن نضع الاستراتيجية في خدمة التكتيك ، وليس العكس ، وفي هذه الحال ، يصبح ميدان الممارسة فسيحاً ، ولكنه مسيج بأسلاك شائكة وقوية هي سياج الاستراتيجية / المبادئ . إن تجاوز حدود القضايا المبدئية ( الاستراتيجية ) ، إنما يمثل برأينا خروجاً على المبادئ نفسها ، وهو أمر لاينطبق على الموقف التكتيكي ، الذي يمكن أن يخدم هذه المبادئ ، لكن دون أن يخرج عليها .