الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب والأزمة السورية... و"جنيف 2"

العرب والأزمة السورية... و"جنيف 2"

28.11.2013
د. وحيد عبد المجيد


الاتحاد
الاربعاء 27-11-2013
يتيح تأخير عقد مؤتمر "جنيف 2" فرصة لمراجعة الدور العربي في الأزمة السورية سعياً لانخراط أكثر فاعلية فيها. فقد أظهرت التفاعلات المكثفة التي حدثت خلال الأسابيع الأخيرة بشأن هذا المؤتمر أن الدور العربي مازال أضعف من أن يؤثر ليس في الترتيبات الخاصة بعقده فقط، ولكن في مسار الأزمة بوجه عام. فكان صراع الإرادات حول جدول أعمال المؤتمر وتحديد المشاركين فيه وتفسير المبادئ التي تضمنها بيان "جنيف1" بمثابة اختزال مكثّف لحالة الأزمة السورية في مجملها في المرحلة الراهنة.
لذلك كانت محدودية الدور العربي في التفاعلات المتعلقة بمؤتمر "جنيف 2" انعكاساً لضعف هذا الدور في الأزمة التي يراد عقد هذا المؤتمر من أجل حلها، أو تحديد الاتجاه الذي يمكن أن يقوم عليه هذا الحل. وعندما اعترف الأمين العام لجامعة الدول العربية في تصريحات صحفية أدلى بها يوم 6 نوفمبر الجاري بعدم وجود خطة بديلة في حالة عدم إمكان تحديد موعد قريب للمؤتمر، لم يفاجئ أحداً. فليس لدى الجامعة خطة متكاملة لهذا المؤتمر في حالة انعقاده أيضاً.
وحين تفتقد الجامعة خطة للمؤتمر، وأخرى بديلة في حالة عدم انعقاده، فهذا نذير خطر يتجاوز الصراع على سوريا ومستقبل بلد عربي منكوب ينزف شعبه يومياً ويعاني ويلات تدمي القلوب.
فقد أصبح هذا الصراع إقليمياً ودولياً بمقدار ما هو داخلي، وصارت سوريا ساحة يستغلها حلفاء نظام الأسد لتحقيق مصالحهم عبر انخراطهم المباشر والمؤثر في إطار خطط يتحركون وفقاً لها. لذلك تجاوزت إيران مثلاً موقف رد الفعل الذي اضطرت إليه عندما بدأت تحركها لمساندة الأسد في بداية الأزمة، وصارت اليوم قوة فاعلة فيها تتحرك وفق رؤية تتوخى أن تكون هذه المساندة سبيلاً للخروج من مأزق الحصار المفروض عليها. وهي تستثمر الآن نتائج انخراطها المباشر، ومعها "حزب الله"، في الصراع، وما أدى إليه من دعم مركز نظام الأسد على الأرض. وفي الوقت الذي تمكنت روسيا من تعويم هذا النظام دولياً عبر صفقة تدمير ترسانته الكيماوية، بدأت إيران في مد جسر مع واشنطن سعياً للخروج من دائرة الحصار وتطلعاً إلى استعادة قدرتها على التمدد الإقليمي بعد فترة اضطرت فيها إلى الانكماش.
ولم يكن اتجاه القيادة المحافظة المهيمنة على إيران إلى تسهيل انتخاب حسن روحاني المعروف باعتداله نسبياً بشأن الملف النووي رئيساً جديداً إلا رغبة في توفير إمكانات هذا التمدد مجدداً.
لذلك تتعامل إيران مع مؤتمر "جنيف2"، سواء عُقد أو لم يُعقد، باعتباره فرصة لجني ثمار انخراطها المباشر في الأزمة السورية، مستندة على موقف الإبراهيمي المتحمس لدورها ومشاركتها في هذا المؤتمر، إلى حد وصفه حضورها بأنه "لا غنى عنه" على حد تعبيره. وهذا مثال واضح يفيد أن الانخراط المباشر يحقق ما لا يمكن التطلع إليه عبر التحرك عن بُعد. فقد فرضت إيران دورها باعتباره أمراً واقعاً، ونجحت عبر تحركها على الأرض في دفع المبعوث الدولي إلى اعتبارها "شاهداً فاعلاً"، وليس طرفاً مباشراً ورديفاً كاملاً لنظام الأسد.
وليس دور إيران هذا، والتهديد الذي ينطوي عليه إقليمياً وسورياً في آن معاً، إلا أحد العوامل التي تدفع إلى الحث على إعادة النظر في الدور العربي. ويمكن أن يكون تأخير عقد مؤتمر "جنيف2" فرصة لمراجعة تقودها الدول العربية التي تؤيد حق الشعب السوري في تقرير مصيره بحرية، وتساند هذا الشعب فعلياً وليس فقط لفظياً، باتجاه انخراط مباشر أكثر فاعلية على الأرض وليس فقط على مائدة هذا المؤتمر حين يُعقد أو إذا عُقد.
ومن المنطقي أن تنطلق هذه المراجعة من تقييم الأداء العربي تجاه الأزمة السورية على مدى عامين وأكثر من نصف عام، والبحث في عوامل ضعفه وكيفية تقويته لمعادلة تأثير دور إيران على الأقل. وفي كل الأحوال، واستباقاً لهذه المراجعة، قد لا يكون هناك خلاف واسع على الحاجة إلى استراتيجية عربية تجاه الأزمة السورية بمختلف جوانبها تقوم على ركيزتين مترابطتين.
الركيزة الأولى هي التواصل مع قوى المعارضة التي تعتبر سوريا وطناً نهائياً لها وليس جزءاً من أي كيان آخر، وممارسة ما يتيسر من ضغط أو نفوذ عليها لتوحيد نشاطها على الأرض بقدر الإمكان، وليس فقط لإقناعها باتخاذ موقف موحد إزاء مؤتمر "جنيف 2".
ويبدأ هذا التحرك بالسعي إلى تفاهم بين هذه القوى على وضع حد للاتهامات المتبادلة والمعارك السياسية التي زادها الخلاف على المشاركة في المؤتمر اشتعالًا. فوقف هذه الاتهامات شرط ضروري للتحرك باتجاه التقريب بين مواقف القوى الوطنية التي أضعفها تشتتها في مواجهة النظام والجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم "القاعدة" في آن معاً.
غير أن نجاح هذا السعي يتوقف على إحراز تقدم على صعيد الركيزة الثانية، وهي مد الجسور بين الجماعات المسلحة التي تتبنى أهدافاً وطنية سورية توطئةً لبناء إطار للتعاون بينها بعد أن أصبح دمجها حلماً بعيد المنال. ولعل الخطوة الأولى في التحرك على هذا الصعيد هي السعي إلى وضع حد لعشوائية تمويل هذه الجماعات وما تؤدي إليه من تعزيز أحد أبرز دوافع الانقسام في اللحظة الراهنة، وهو الحصول على تمويل خارجي. فقد أصبح التطلع إلى هذا التمويل دافعاً إلى تكاثر الجماعات التي يبحث كل منها عن حصته من الأموال في غياب أي تنسيق بين الممولين عرباً وأجانب. ويعني ذلك أن العلاقة بين جماعات الثورة الوطنية المسلحة يحكمها في اللحظة الراهنة مؤثران أساسيان هما الموقف السياسي والتمويل، إلى جانب الخلفية الاجتماعية والظروف الميدانية.
لذلك تستطيع الدول العربية التي تساهم في تمويل المعارضة السورية أن تقود تحركاً فاعلاً لتعزيز الدور العربي، إذا اتفقت على خطة لجمع شتات هذه المعارضة. وعندئذ قد يكون بإمكانها إقناع الفصائل المقاتلة بالاتفاق على قيادة موحدة لإنهاء الطابع الميليشياوي الذي ينتشر اليوم في صفوفها. فقد ثبت خلال الأشهر الستة الأخيرة بصفة خاصة أن وجود قيادة مشتركة للقوات السورية وعناصر الحرس الثوري و"حزب الله" والشبيحة الذين يُطلق عليهم رسمياً "لجان شعبية" كان عاملاً جوهرياً في تغيير ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام.
لذلك يبدو الوضع الراهن للأزمة السورية اختباراً كاشفاً لمدى استعداد الدول العربية التي تساند المعارضة لعمل مشترك بات ملحاً لتجسير الفجوات بين أطراف هذه المعارضة السياسية والعسكرية في إطار خطة محددة تمكنها من إدارة تلك الأزمة بطريقة أفضل.