الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب والخارطة السياسية الجديدة

العرب والخارطة السياسية الجديدة

28.11.2013
د. رحيل محمد غرايبة


الدستور
الاربعاء 27-11-2013
الاتفاق الأمريكي الغربي-الإيراني حول مشروع ايران النووي يمثل تدشيناً لمرحلة سياسية جديدة، تخص المنطقة العربية وما حولها، التي سوف تشهد تغيراً ملحوظاً في التحالفات السياسية واوزانها الحقيقية، ومن ثم تغيراً كبيراً في التوجهات السياسية والاقتصادية ويتبعها الثقافية بلا شك.
الولايات المتحدة الأمريكية التي سلخت عشر سنوات ونيفا في حربين كبيرتين في أفغانستان والعراق، كانت ثمرة لمخطط المحافظين الجدد الذين أرادوا أن ينتجوا امبراطورية أمريكا الأعظم في التاريخ البشري! على حساب المنطقة العربية والإسلامية التي تعمها الفوضى، ويسودها الضعف، نتيجة تسلط أنظمة لا تقيم وزناً لشعوبها، ولكن الحرب الأميركية الكونية أسفرت عن إنهاك وفشل للولايات المتحدة! وأزمة اقتصادية متفاقمة، مما جعلها  تقدم على قرار الانسحاب، والتخلي عن أسلوب الحرب العسكرية والتخلي عن الاحتلال المباشر، وقد نجح أوباما بمقعد الرئاسة بناءً على هذه الاستراتيجية الجديدة.
وبناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة رفضت التدخل العسكري المباشر في ليبيا، واكتفت بدعم التدخل الأوروبي، كما رفضت وما زالت ترفض التدخل العسكري في سوريا، واكتفت بتسهيل مرور بعض أنواع الدعم، وبعض أنواع الأسلحة الخفيفة عن طريق بعض الحلفاء، بحيث تكون قادرة على القيام بدور المشاغلة فقط وإحداث بعض الفوضى والإرباك، التي لا تصل إلى لغة الحسم والانتصار.
النظرية السابقة تحتم على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التعامل مع الأطراف المنافسة التي تتبع التحالف الروسي بطريقة مختلفة تتجنب المواجهة العسكرية، ولا تدفع نحو التدخل المباشر، بل لابد من البحث عن طريقة تؤدي إلى تفاهمات تحفظ الخطوط الوهمية الفاصلة بين المصالح المختلفة، وتحفظ المصالح الأمريكية وحلفاءها، وتؤمن مستقبل الكيان الصهيوني، وتزيل التهديدات التي يشكو منها "الإسرائيليون"، سواء على صعيد الأسلحة المتطورة، أو على صعيد التيارات السياسية المعادية التي يحتمل وصولها إلى أنظمة الحكم المجاورة.
هذه التفاهمات أخذت طريقها إلى البلورة، في ظل تفهم روسيا وإيران لحقيقة الرؤية الأمريكية الجديدة، ولحقيقة الهواجس والتخوفات "الإسرائيلية"، وبدأت معالم الخارطة السياسية المستقبلية أكثر وضوحاً، وسوف نرى مزيداً من الخطوات التي تعزز هذا المسار.
روسيا طرحت مشروعاً للتوافق على جملة أمور محورية، تخص الطرفين بأوزان متفاوتة، ولكنها تمثل مصلحة مشتركة حاضراً ومستقبلاً، ومن أهم هذه القضايا :
أ‌- ضرورة الاتفاق على تصفية المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تحمل السلاح، لأنها تشكل خطراً مشتركاً على جميع الأطراف، ومن أجل درء هذا الخطر يجب منع القوى الإسلامية من الوصول إلى الحكم، حتى لو كانت معتدلة، لأنها تمثل مظلة لنمو الجماعات الإسلامية المتطرفة وتكاثرها في المنطقة، وخاصة في سوريا على وجه التحديد لأنها مجاورة (لإسرائيل) ،مما يحتم تغيرالنظرة تجاه النظام السوري بكل تأكيد.
ب‌- الاتفاق على نزع أسلحة التدمير الشامل من الدول العربية التي تشكل تهديدا محتملاً لمستقبل "اسرائيل"، والمقصود هنا (الأسلحة السورية) التي تشمل الترسانة النووية والبيولوجية، وكذلك الصواريخ بعيدة المدى،وكل ما يشكل تهديدا مستقبليا "لاسرائيل".
جـ- إحراز تقدم ملحوظ على صعيد البرنامج النووي الإيراني ليكون مشروعاً سلمياً تحت مراقبة دولية، من خلال استثمار مجيء الرئيس (روحاني) الذي يرتبط بعلاقات صداقة مع الأمريكان من جهة ولقدرته على إحداث تفاهم معقول في ظل علاقته الوثيقة مع الاتجاه الديني المحافظ المسيطر في إيران.
وفي ظل القرار الأمريكي بعدم توجيه ضربة عسكرية لإيران، وعدم التسبب في دفع الولايات المتحدة لخوض حرب جديدة ثالثة، ربما ستكون أكثر كلفة وخسارة وأشد سوءاً على صعيد النتيجة النهائية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
د-  التفاهم على مستقبل حزب الله في لبنان، بحيث يتم لجم خطورته المتوقعة تجاه "اسرائيل"، وتوجيهها نحو الصراع مع الأطراف السيئة المعادية تحت شعار محاربة التكفير والارهاب!!...
هذه التفاهمات، سوف تحقق نسبة كبيرة من المطالب الاسرائيلية في المستقبل الآمن، وسوف يؤمن حفظ ماء الوجه الأمريكي، بالحد الأدنى، وسوف يشهد دوراً سياسياً معقولاً لروسيا وإيران في المنطقة على حساب العرب جميعاً أنظمة وشعوباً وقوى سياسية التي تعاني من انعدام الوزن.