الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب والرئيس الأميركي القادم

العرب والرئيس الأميركي القادم

12.11.2016
د. أحمد يوسف أحمد


الاتحاد
الخميس  10/11/2016
ختمت مقالتي يوم الثلاثاء الماضي بعنوان "معضلة الانتخابات الأميركية" بالقول: "والخلاصة أن العقل يُرجح فوز كلينتون إنْ لم يكن يؤكده لكنه يعي أيضاً أن التأكيد المطلق لهذا الترجيح مستحيل على ضوء ما سبق"، وكنت قد أشرت في المقال إلى مفاجآت الحملة الانتخابية كاتهامات مكتب التحقيقات الفيدرالية بخصوص استخدام هيلارى كلينتون بريدها الإلكتروني الشخصي في قضايا تتعلق بعملها كوزيرة للخارجية مما يلقى ظلالاً من الشك حول جدارتها بمسؤولية قيادة الولايات المتحدة الأميركية وأشرت كذلك إلى أثر إعلان نتائج استطلاعات الرأي العام في سلوك الناخبين لاحقاً. ولعلي أضيف الآن أنه قد آن الأوان في ما يبدو إما لتطوير منهجية هذه الاستطلاعات وإما لإطلاق رصاصة الرحمة عليها كأداة للتنبؤ في التحليل السياسي، فليست هذه هي المرة الأولى التي تخيب فيها هذه الاستطلاعات وكان آخر سقوط لها في استفتاء الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، لكن ما حدث قد حدث وأصبح العالم الآن، ونحن منه، أمام واقع جديد مُحَمل باحتمالات جديدة لا بد من تحليلها جيداً والتحسب لها، لأن الولايات المتحدة ليست الدولة التي يمكن تجاهل ما يجري فيها وآثاره في الآخرين، وتزداد أهمية هذا الاعتبار بالنظر إلى التطورات التي أصابت العلاقات الأميركية - العربية بصفة عامة في عهد كلينتون فلم تأت الرياح في هذا العهد بما تشتهيه السفن العربية، وأركز بالتحديد على مسألتين الأولى هي الاتفاق النووي مع إيران والثانية هي الانسحاب الأميركي ولو النسبي من الشرق الأوسط، فلم يكتف أوباما في المسألة النووية الإيرانية بعقد اتفاق غير مضمون ألا يسمح لإيران على المدى الطويل بامتلاك سلاح نووي وإنما أتاح هذا الاتفاق لها بطبيعة الحال انفراجة اقتصادية تمكنها من تعزيز أنشطتها الرامية إلى فرض الهيمنة على المنطقة ناهيك عن نصائحه لنا كعرب بالتعايش مع إيران دون إشارة إلى مشروعها التوسعي، ثم زاد على ذلك ما عُرف بعقيدة أوباما التي ذهب فيها إلى تضاؤل، إن لم يكن تلاشي، أهمية الشرق الأوسط للسياسة الأميركية، ولعل هذا قد انعكس على موقفه المرتبك من صراعات المنطقة وبصفة خاصة الصراع في سوريا بغض النظر عن سذاجة ما أتت به هذه العقيدة من أفكار، لكن ما حدث قد حدث وفاز ترامب فأين هو من قضايانا وكيف نتعامل مع هذا الواقع الجديد؟
 
يمكن في عجالة أن نحصر أهم القضايا التي يتشابك فيها ما نضح من آراء لترامب أثناء حملته الانتخابية في خمس هي الصراع العربي - الإسرائيلي والصراعات الداخلية المحتدمة في وطننا العربي وفي سوريا بالذات وليبيا واليمن والأمن العربي والمسألة الإيرانية والموقف من المسلمين، ولعل الصراع العربي - الإسرائيلي هو أوضح هذه القضايا فلم يحدث من قبل أن شذ رئيس أميركي عن التأييد المطلق لإسرائيل ربما باستثناء موقف الرئيس أيزنهاور من الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وفيما عدا ذلك كانت أي خطوة يُشتَم منها أن ثمة قيداً على هذا التأييد المطلق كما في التصويت الأميركي على تفكيك المستوطنات في عهد كارتر أو رفض إعطاء ضمانات لقروض لإسرائيل بسبب مسألة المستوطنات، وأيضاً في عهد الرئيس جورج بوش، سرعان ما كان يتم التراجع عنها، كما باءت الجهود المتعاقبة للرؤساء الأميركيين كافة لتسوية الصراع بالفشل بسبب التصلب الإسرائيلي دون أن يؤدي هذا إلى أي مراجعة أميركية للسياسة تجاه إسرائيل، ولن يخرج ترامب بطبيعة الحال عن هذا النموذج، بل لقد زاد عليه تعهده بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما سيشكل تطوراً خطيراً وإن كانت هذه ليست هي المرة الأولى التي يتخذ فيها مرشح رئاسي هذا الموقف ثم يتراجع عنه تحت ضغط الاعتبارات العملية ومع ذلك لا بد من التحسب لهذه المسألة الحساسة والاستعداد لها.
 
دحر الإرهاب في سوريا
أما بخصوص الصراعات الداخلية في الوطن العربي فقد سبقت الإشارة إلى الموقف المرتبك لأوباما منها وفي الصراع السوري بالذات، ولم تحتل الصرعات في العراق واليمن وليبيا مكاناً مهماً في حملة ترامب. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى تركيزه على دحر الإرهاب أولاً في سوريا بما يعني أنه قد يكون أقرب إلى وجهة النظر القائلة بأن الأولوية ليست للقضاء على نظام بشار الأسد وإنما على الإرهاب وهو ما يفتح الباب لعدد من الاحتمالات بخصوص السياسة الأميركية في هذا الصدد، فماذا لو طالت المعركة وهل يؤدي هذا مثلاً إلى نوع من التفاهم مع النظام السوري وهكذا؟، وقد يعزز هذا النوع من التفكير إعجاب ترامب الواضح ببوتين إلى الحد الذي استُخدم معه هذا الإعجاب ضد ترامب إبان الحملة الانتخابية وهو ما قد يفتح الباب لتفهم أميركي - روسي جديد بخصوص الصراع في سوريا، وقد يحدث الشيء نفسه فيما يتعلق بصراعات أخرى وإن كان من الضروري تذكر أن إيران طرف أصيل في الصراع في كل من سوريا والعراق واليمن وهو ما قد يعرقل أي تفاهمات أمريكية مقبلة في ظل ترامب مع روسيا حيث إن لها علاقتها الوثيقة مع إيران التي يعاديها ترامب، ويرتبط هذا بالمسألة الثالثة وهي الأمن العربي، والانطباع هنا أن ترامب لن يحافظ بطبيعة الحال على عقيدة أوباما وسياسته المترددة في الشرق الأوسط، ولكن ثمة أفكاراً مقلقة ترددت كثيراً في حملته عن تحمل الدول الحليفة تكاليف الحماية الأميركية لها، ولا تعنينا بطبيعة الحال أن تكون هناك حماية أميركية للمنطقة، فلها من المساوئ ما يغنينا عنها كما حدث في العراق وليبيا على سبيل المثال. لكن هناك مواقف وأزمات دولية قد يتعرض العرب والأميركيون فيها لخطر تهديد مشترك كما يبدو بجلاء في خطر التهديدات الإرهابية، فكيف يمكن تطبيق مبدأ تحمل تكاليف الحماية علماً بأن دحر الإرهاب مصلحة أصيلة للطرفين معاً؟
 
ماذا عن إيران؟
 
وفيما يتعلق بالمسألة الخامسة المتعلقة بإيران تبدو هذه المسألة أكثر المسائل اتساقاً بين توجهات ترامب والتوجهات العربية، إذ لم يدع ترامب مجالاً لشك في عدائه للاتفاق النووي مع إيران ووصل به الحال إلى التعهد بإلغائه، ومن المعروف أن دولاً عربية عديدة كانت لها تحفظات أساسية على هذا الاتفاق لأنه لا يضمن على المدى الطويل عدم توصل إيران لامتلاك سلاح نووي بالإضافة إلى أن رفع العقوبات عن إيران يتيح لها كما سبقت الإشارة إمكانات أكبر لتمويل أنشطتها الرامية إلى تنفيذ مشروعها للهيمنة في الوطن العربي. أما الموقف من المسلمين فهو من أعقد المشاكل التي يمكن أن تثور فيها خلافات حقيقية مع ترامب، ومع ذلك ففي تقديري أن ترامب الرئيس سيكون مغايراً لترامب المرشح أولاً لأن لديه جالية مسلمة مهمة في الولايات المتحدة لن يكون من مصلحته استعداؤها وثانياً لأنه ليس من الحكمة أن يستعدي عليه الدول الإسلامية وهي كثيرة عددياً وبعضها له وزنه المالي والاقتصادي والعسكري، وبالتالي من المتوقع أن يقتصر الأمر على العداء الشديد للإرهاب المتمسح بالإسلام وهو ما يمثل نقطة لقاء بين ترامب وجمهرة المسلمين مع التحسب لاحتمال أن يتوسع في تفسيره للإرهاب ومن ثم في تصرفات نختلف معه فيها كما لو فرض مثلاً إجراءات مشددة مبالغ فيها على دخول المسلمين الولايات المتحدة أو إقامتهم فيها.
 
تقليل المخاطر
 
والخلاصة أن مستقبل العلاقات العربية - الأميركية في ظل ترامب سوف يكون معقداً أو ملتبساً إلى حد ما على الأقل، ولا يستطيع العرب أو غيرهم أن يسقطوا الولايات المتحدة من اعتبارهم، ولا نريد لها بالتأكيد أن تكون خنجراً في ظهرنا ولذلك لا بد من عمل جاد لتعظيم الفائدة وتقليل المخاطر من فوز ترامب، وإذا كان الموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي يدخل في شريحة المواقف الميؤوس منها دون أن يُسقط هذا عنا فريضة العمل من أجل تطوير هذا الموقف إلى الأفضل من وجهة نظرنا فإن باقي المواقف في تقديري سوف تكون قيد التشكل على ضوء متغيرات الواقع وضرورة تطوير المواقف الخام التي يعلن عنها المرشحون للرئاسة عادة في حملاتهم الانتخابية، ولذلك فعلينا أن نلعب أقوى دور ممكن في هذه العملية، ولن يحدث هذا إلا بدراسة جادة لكل ما يتعلق بترامب وتوجهاته الخارجية عامة وتجاهنا خاصة ثم تطوير رؤية عربية موحدة تجاه التعامل مع هذا الواقع الجديد، وإذا صعُب هذا وهو صعب بالفعل فلتكن هناك رؤية من مجموعة عربية واسعة تجتمع على أهداف محددة وبعد ذلك نستطيع أن نمضي إلى حوار استراتيجي مع الساكن الجديد في البيت الأبيض يستحسن أن يبدأ في أقرب وقت ممكن قبل بدء ولايته تكون رسالتنا فيه واضحة: "هذه مصالحنا المشتركة التي يمكن أن تستند إليها علاقات إيجابية بيننا في العهد الجديد حرباً على الإرهاب وعملاً من أجل تسوية صراعات المنطقة بالحق والعدل وازدهاراً لعلاقات اقتصادية صحية تحمل الخير لنا جميعاً".