الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب والمبادرة في سوريا

العرب والمبادرة في سوريا

31.03.2013
محمد بن هويدن


التاريخ: 31 مارس 2013
البيان
اختتمت الجامعة العربية أعمال قمتها الرابعة والعشرين في الدوحة بقطر من دون أن تحقق ما يمكن أن يمثل إنجازاً عربياً لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالوطن العربي، وفي مقدمتها ما يحدث في سوريا من قتل وتنكيل في حق المدنيين العزل، والذي أصبحت تأثيراته السلبية يشعر بها في العديد من الدول المجاورة لسوريا. الخلافات العربية ما زالت قائمة، والخطاب العربي ما زال غير متجانس.
فهناك من يهدد من القادة العرب بالرد القاسي لكل من يتدخل في شؤون بلده، وهو في قمة عربية وخطابه موجه بالدرجة الأساسية لذلك الحضور العربي، أي أنه يتهم الدول العربية بالتدخل في شؤونه الداخلية؛ وهناك من لا يعجبه الخطاب غير الليبرالي من معظم القادة العرب.
وهناك من لا يروق له الموقف الخجول مما يحدث في سوريا. وفي ظل ذلك كله يأتي الحديث عن الرغبة في إصلاح الجامعة العربية، وهي دعوة وإن كانت مطلوبة إلا أن تنفيذها لن يتعدى الإطار الإجرائي، ولن يشمل الإصلاح الموضوعي المطلوب لمؤسسة الجامعة العربية.
إن فرصة العرب كبيرة اليوم لأخذ زمام المبادرة بمشروع عربي يأتي في إطار التوافق العربي لوضع حد لما يدور في سوريا. هذا لم يحدث وللأسف في قمة الدوحة المنتهية أعمالها الأسبوع الماضي، لكنه لا يعني أنه لا يمكن صياغة توجه عربي في هذا الإطار نحو مبادرة تنهي الوضع الدامي في سوريا.
عين العرب على واشنطن ووزير الخارجية الأميركي الجديد، علّ وعسى أن يقدم شيئاً جديداً يستطيع ان يكسب ود الروس في مواجهة النظام السياسي السوري. ولكن هذا بمثابة عشم إبليس في الجنة، أي أنه لن يحدث، فإذا كانت هيلاري كلينتون الأكثر صرامة لم تنجح في إقناع الروس، فهل سيتمكن من هو لين التعامل في إقناع بوتين وشركائه من الروس الجدد؟!
أمام العرب فرصة تاريخية كي يجددوا دورهم السياسي عبر مبادرة عربية يقودها العرب بدعم دولي لوقف نزيف الدم في سوريا. قد تكون هذه المبادرة سياسية وقد تكون مبادرة عسكرية، وقد تكون مبادرة تتضمن البعدين السياسي والعسكري، إلا أنه لابد من المبادرة.
إن المجتمع الدولي يبحث لنفسه عن غطاء عربي شرعي للقيام بما لا يود هو القيام به نظراً للإخفاقات الكبيرة التي قد يواجهها، سواء في الداخل الغربي أو عند الشارع العربي. الداخل الغربي لاسيما في أميركا غير متحمس لحرب جديدة أميركية تعيد له ذاكرة أفغانستان والعراق، والداخل العربي غير مستعد لدعم تدخل عسكري أجنبي يخلق عراقاً جديداً في سوريا. فالحل هو في تحرك عربي بغطاء دولي.
قد تكون البداية بمبادرة سياسية عربية تحمل غطاء ودعماً دولياً من قبل الدول الداعمة لها تعطي الرئيس السوري مهلة محددة لتنفيذ بنودها والالتزام بها، وفي حالة عدم الالتزام يتم التوجه نحو صياغة تحرك عسكري عربي- دولي لوضع حد لمأساة السوريين. إن العرب لديهم القوة العسكرية القادرة على تنفيذ مبادرة من هذا النوع، إذا ما أرادوا ذلك، مع وجود الدعم اللوجيستي الغربي في هذا الإطار.
فالناتو قادر على توفير الحماية الجوية من خلال الرقابة وتزويد المعلومات الاستخباراتية حول الوضع العسكري في سوريا، ودول الجوار السوري قادرة على توفير نطاق حماية جغرافي لحدودها مع سوريا ليكون بمثابة ملاذ آمن للمدنيين.
وسلاح الجو العربي قادر على توجيه ضربات عسكرية مركزة للآليات العسكرية للنظام السوري، أما القوات العربية فقادرة على التوغل في الداخل السوري لمواجهة ما تبقى من قوات النظام وتفرض سيطرته على البلد من دون وجود عسكريين أجانب في الأرض السورية.
هذا التحرك العربي يمكن أن يكون له شرعية، فالدول العربية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث، وهي تعلم أن ما يحدث هناك يمثل كارثة إنسانية من جهة ويؤدي إلى تبعات أمنية خطيرة على أمن واستقرار دول الوطن العربي من جهة أخرى.
فأعداد القتلى في تزايد، واللاجئون ترتفع أرقامهم، والنازحون بالملايين، واستقرار لبنان والأردن على المحك، وانتشار أفكار القاعدة والفكر الجهادي في تصاعد، لذلك ليس هناك ما يبرر الوقوف العربي عن فعل شيء إزاء مثل هذا الوضع.
لقد كان العرب لفترة طويلة يأملون أن تضع الحرب أوزارها وينتهي العنف في سوريا، إلا أن ذلك لم يحدث ولن يحدث إذا لم يتحرك العرب في هذا الإطار. ولعل ذلك يذكرنا بما كان قد يحدث في البوسنة والهرسك وفي رواندا وفي ليبيا لو لم يكن هناك تدخل دولي، فالتدخل العسكري جاء ليمنع وقوع مأساة أكبر كانت ستحدث.
فالعرب إن كانوا حقاً يودون لأنفسهم مكانة في النظام الإقليمي على أقل تقدير فعليهم أن يتبنوا مبادرة تعطي الحياة للمشروع العربي التعاوني الذي لن يعيد الحياة لسوريا، بل سيعطي إشارات تحذيرية واضحة لكل الأطراف الدولية التي تعبث في وطننا العربي.