الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب والهروب المستحيل

العرب والهروب المستحيل

08.08.2016
وائل مرزا


المدينة
الاحد 7/8/2016
العرب والهروب المستحيل بغض النظر عن الشعارات والتصريحات، توحي أحداث الواقع أن غالبيةً كبرى من العرب يحاولون ممارسة هوايتهم التاريخية في تأجيل الاستحقاقات، والهروب من الحقائق، والالتفاف على الوقائع والأحداث، وانتظار تغييرٍ ما، يحدث من الخارج، أو يهبط من السماء. لكن هذا كله لن ينفع في مثل هذه المرحلة من تاريخهم وتاريخ الإنسانية.
ربما أمكن للعرب اختيارُ الحياة على هامش التاريخ سابقاً، بعيداً عن استحقاقاته، لكن مايجري في هذا العالم لم يقتصر فقط على إدخالهم في هذا التاريخ قسراً. بل إنه جعلَ واقعهم وثقافتهم وممارساتهم وسياساتهم من محاوره الكبيرة.
من هنا، سيبقى ذلك الواقع وتلك الثقافة، ومعها الممارسات والسياسات، في بؤرة الحياة البشرية زمناً لايعلمه إلا الله. يعتقد البعض بأن هذا العالم بات مهووساً فقط بكل ما له علاقة بـ (الإسلام) و(المسلمين). وفي هذا بعضُ صواب، لكنه صوابٌ يجب أن يوضع في إطاره الأكبر. فأبسطُ قراءةٍ للواقع الجيوسياسي في العالم تُظهر حجم الفرق في اهتمام القوى الدولية حين يتعلق الأمر بما يجري في جاكرتا وأبوجا، مقابل اهتمامهم بمايجري في بغداد وحلب والقاهرة.
نحن، كعرب، إذاً في بؤرة أحداث التاريخ المعاصر. ومع أننا نساهم في صناعته، بكل ما في واقعنا وثقافتنا من عشوائيةٍ وإشكالات، فإن هذا يرتدُ علينا بسياسات تستهدف حاضرنا ومُستقبلنا في جميع المجالات وعلى كل المستويات. لافرق هنا بين أغنياء وفقراء، ولا بين (معتدلين) و(متطرفين)، ولابين شعوب وحكومات. لافرق بالتأكيد بين (مسلمين) و(غير مسلمين)، بغض النظر عن كل اللافتات المزيفة المرفوعة في العالم بخصوص حماية (الأقليات).
ورغم أن الحديث عن (استهداف) العرب صار مُملاً في صيغته التقليدية، وهو عند البعض لجوءٌ يائس لمنطق المؤامرة وتفسيراتها الممجوجة، إلا أن واقعنا الراهن يفرضُ الحديث عنه كحقيقةٍ تؤكدها الشواهد. وقد يكمن الفرقُ في تحليل أسباب الاستهداف التي لم تعد تنحصرُ في المقولات القديمة المتعلقة بالثروة والموقع الاستراتيجي فقط. فقد كان استيعاب تلك العناصر والتعامل معها، من قبل القوى الدولية، ممكناً دائماً في الماضي، دون الشعور بالحاجة لاستهداف العرب بالمعنى القاسي والشامل للاستهداف.
فمن ناحية، أصبحت المنطقة مصدراً لإشكالات عالمية معروفة، يرى مَنطقُ النظام الدولي أن حَلَّها يكمنُ في تجريب درجات متصاعدة من (الاستئصال)، بعيداً عن الشعور بالحاجة لمعرفة الأسباب الحقيقية لتلك الإشكالات. ومن ناحية ثانية، باتت المنطقة الموقع المثالي لصراعٍ عالميٍ على النفوذ والمصالح، في مرحلة صار فيها ذلك النظام الدولي نفسه مُخلخلاً، فاقداً للأساسات، وقابلاً للتغيير، بحيث يمكن لمراكز القوى الفاعلة فيه خرقُ ماكان سابقاً قواعد جيوسياسية مُتفقاً عليها، بمثابة المُحرّمات. وأخيراً، ثمة انطباعٌ يجري تعميمه، إعلامياً وسياسياً، في الغرب تحديداً، يقضي بأن الهياكل السياسية العربية التي كان يُعتقد دائماً أنها جزءٌ من الحل، لم تُصبح فقط جزءاً من المشكلات، وإنما كانت من أسباب ظهورها ابتداءً. وثمة جهود كبيرة لطرح هذا على أنه اكتشافٌ خطير ينبغي التعامل معه بجدية وحسم، بدلاً من إخفائه والتعامل معه بشكلٍ دبلوماسي.
من هنا تنبعُ جدية الخطر الراهن الذي يواجهُ العرب. وهو يواجههم، كما ذكرنا، دون تمييزٍ بين عناصر ومكونات للواقع العربي يحسبُ بعضُنا أن قِيَمها متفاوتة، وأن منها ما لا يجب أن يُمس، وأن هذه الحسابات مأخوذةٌ حقاً بعين الاعتبار لدى القوى الدولية.. في حين أن أكبر مايُميز المرحلة الانتقالية الاستراتيجية الدولية الكبيرة التي يمر بها العالم اليوم هو سقوط المحرمات التقليدية السابقة.
لهذا، يجدر الانتباه إلى الفوارق الحساسة بين حسابات العرب وحسابات المعادلات الجديدة في المرحلة المذكورة، وحسابات لاعبيها الكبار، داخل الإقليم وخارجه. إذ يمكن أن يَظهرَ، بعد فوات الأوان، أن العرب يعيشون ماضياً تغيرت قوانينه وقواعده وتحالفاته، وهم يحسبون أنهم يعيشون في الحاضر.
هذا يعني، فيما يعنيه، أن الهروب بكل أشكاله لم يعد ممكناً. لكنه يعني أيضاً أن الهروب من الإصلاح الشامل باتَ أقربَ للمستحيل. وأن هذا الإصلاح يتطلب جرأةً وإقداماً غير مسبوقين، بقدر مايتطلب من إبداعٍ وتفكيرٍ (من خارج الصندوق).
لم تعد ثمة جدوى لعمليات التجميل المصحوبة بالوعود والأماني والأرقام والكلام الكبير، فهذا يزيد الاحتقان والغليان ومشاعر اليأس والقنوط. وإذ يبدو طبيعياً أن يحاول النظام الدولي خداعنا بكل طريقةٍ ممكنة، إلا أنّ خداع الذات يبقى وحده رصاصة الانتحار