الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب وتحديات "التحالف" ضد الإرهاب

العرب وتحديات "التحالف" ضد الإرهاب

18.10.2014
د. وحيد عبد المجيد



الاتحاد
الاربعاء 15-10-2014
ليس في الغارات التي تشنها طائرات أميركية وأخرى من دول غربية على مواقع تنظيم "داعش"، ما لا تستطيعه الطائرات العربية. وثبت ذلك فعلياً في مشاركة طائرات عربية في الغارات على مواقع هذا التنظيم في سوريا، والأداء المتميز لطياري هذه الدول، رغم محدودية هذه المشاركة حتى الآن.
غير أن الغارات الجوية لن تحسم حرباً صعبة ضد إرهاب تمدد في مساحات واسعة وامتلك إمكانات كبيرة، لذلك بدأت واشنطن في مراجعة تصورها لهذه الحرب في غياب رؤية واضحة لها، الأمر الذي يفرض على العرب ويتيح لهم في الوقت نفسه فرصة لبلورة استراتيجية لمواجهة الإرهاب، من خلال تعاون أوثق بين دولهم المشاركة في "التحالف" الدولي الراهن، بما يمكنهم من قيادته وتحديد جدول أعماله وتحقيق الانسجام الذي يفتقده الآن، بحيث يكون هذا الدور نواة لإعادة بناء النظام الإقليمي العربي المتصدع.
فلا ينقص العرب شيء على المستوى العسكري العملياتي والتقني، بل على العكس تملك دولهم التي حاربت الإرهاب في داخلها وتحاربه خبرات أفضل من غيرها، بما في ذلك الولايات المتحدة التي اعترف رئيسها أوباما صراحة بأنها أساءت التقدير خلال السنوات الماضية.
غير أن كل ما يتمتع به العرب من إمكانات في هذا المجال يظل، كما كان دائماً في مجالات شتى، ممنوعاً من الصرف لأسباب تعود إلى خلافاتهم التي تثقل كاهلهم من مرحلة لأخرى.
وتتحمل الحكومة والقوى المهيمنة على السلطة في العراق الآن المسؤولية الأولى عن تضييع فرصة تاريخية لدور عربي قيادي في مواجهة الإرهاب يؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة. فقد رفض رئيس الحكومة الجديد، حيدر العبادي، تحت ضغط القوى الشيعية المتطرفة ومليشياتها المرتبطة بإيران، أية مشاركة عربية في مواجهة إرهاب تنظيم "داعش" في العراق حتى على صعيد الغارات الجوية.
ويصعب قبول التفسير الذي يسوقه مسؤولون عراقيون في أحاديث غير رسمية لهذا الموقف، وهو أن مشاركة طائرات عربية في الغارات الجوية تفتح الباب أمام الطيران الإيراني بدوره. فلا يصمد هذا التبرير أمام واقع ينطق بأن إيران حاضرة بما هو أهم من طيرانها عبر وجود آلاف من عناصر حرسها الثوري على الأرض، وسيطرتها الفعلية على الجيش الرسمي من خلال علاقتها الوثيقة بالمليشيات الشيعية التي استولت على قراره.
وتبدو معركة العراق المحورية في الحرب على الإرهاب هي التحدي الأول الذي يواجه العرب على هذا النحو. فغيابهم عن هذه المعركة يُضعف فاعلية الحرب في مجملها، لأن تنامي دور مليشيات "بدر" و"عصائب أهل الحق" و"سرايا السلام" وغيرها يزيد الجيش الرسمي الضعيف ضعفاً ويمثل استفزازاً للقوى العشائرية والسياسية السنية المعتدلة التي يتوقف كسب هذه الحرب على حماسها للمشاركة فيها. لكن من أين يأتي مثل هذا الحماس لحرب تتصدرها على الأرض مليشيات ارتكبت انتهاكات طائفية بشعة في بعض المناطق السُنية في السنوات الماضية، وتخوضها من السماء قوات جوية أميركية كانت القوى السُنية في معظمها تعتبرها معادية منذ غزو عام 2003 وحتى وقت قريب؟
ويرتبط هذا التحدي الأول ارتباطاً وثيقاً بموقع إيران في الحرب الراهنة ضد الإرهاب، في ضوء الخبرة المؤلمة للحرب الأميركية على العراق. فقد صارت إيران فعلاً هي الرابح الوحيد من تلك الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة وفق تقديرات لا تقل خطأ عن تلك التي اعترف بها أوباما أخيراً.
ولذلك كانت إحدى أهم نتائج حرب 2003 تمكين إيران من إعطاء دفعة غير مسبوقة لمشروعها الإقليمي الآخذ في التمدد وصولا إلى اليمن، حيث احتلت المليشيات الحوثية المرتبطة بها صنعاء تحت ستار الدخان الكثيف المنبعث من الغارات الجوية الأميركية الجديدة على العراق.
ويبدو هذا المشروع الإقليمي تحدياً ثانياً خطيراً أمام العرب، بعد أن أصبحت إيران ممسكة -بدرجات متفاوتة- بالقرار في أربع عواصم عربية من صنعاء إلى دمشق مروراً ببغداد وبيروت.
ويمثل المشروع التركي تحدياً ثالثاً أمام العرب في إطار "التحالف" الذي يجمع من التناقضات ما لم يعرفه تجمع دولي من قبل. ورغم أن هذا المشروع ليس في مستوى وضوح المشروع الإيراني، فقد يكون ارتباكه الراهن تحدياً أكبر. وربما يكون أهم ما في هذا التحدي في الأمدين القصير والمتوسط هو كيفية بناء موقف عربي مشترك تجاه خطة تركيا لإقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا. فمشكلة هذه الخطة هي أنها يمكن أن تدعم دور تركيا الإقليمي وتجعلها الفاعل الأول في تقرير مستقبل سوريا، الأمر الذي يضع العرب في موقف أصعب على المستوى الإقليمي. لكنها يمكن في الوقت نفسه أن تتيح للعرب فرصة للقيام بدور أكبر في "التحالف"، وفي تقرير مصير سوريا، في حال اتفاقهم على مبادرة لإعادة صوغها بما يضمن لهم مثل هذا الدور.
ولا يكمن التحدي هنا في كيفية تطوير الخطة التركية لأن هناك أفكاراً بشأنها، بل في صعوبة التوصل إلى اتفاق على مثل هذه المنهجية في التعامل معها سعياً إلى تحويلها من تحد إلى فرصة، بسبب التفاوت الشديد في المسافات السياسية بين العواصم العربية المعنية وأنقرة. وتقف سياسة الرئيس التركي أردوغان الانفعالية ضد مصر عائقاً أساسياً في هذا المجال.
ويبقى تحد رابع قد لا يكون ظاهراً الآن، وهو إمكان استغلال إسرائيل الحرب على الإرهاب مرة ثانية. فكان الدمار العمراني شبه الشامل الذي ألحقته بقطاع غزة، في أحد أبعاده، نتيجة نجاحها في استغلال انشغال الجميع في المنطقة والعالم بتمدد "داعش" وسيطرته على مساحات واسعة في غرب العراق وإلغائه الحدود لربط هذه المساحات بالمناطق التي يسيطر عليها في شرق سوريا.
ففي ذروة تلك الصدمة وتحت غطائها، وفي ظل الدخان الكثيف المنبعث منها، استغلت إسرائيل التطور السريع الذي بدأ بخطف ثلاثة مستوطنين في الضفة لشن غارات وحشية ربما لم يكن ممكناً أن تقدم عليها ما لم تكن الظاهرة "الداعشية" قد بلغت ما بلغته في وحشيتها المرافقة لتمددها.
لذلك، وأخذاً في الاعتبار أن إسرائيل ليست معنية بما تسفر عنه الحرب ضد الإرهاب الذي يقدم لها ذرائع لاعتداءات أكثر تدميراً، يظل احتمال قيامها بعمل عسكري آخر تحدياً رابعاً أمام العرب بما قد يؤدي إليه من خلط أوسع للأوراق في المنطقة. وربما يكون هذا العمل موجهاً هذه المرة ضد "حزب الله" على نحو يضع العرب، وليس فقط قوى لبنان المعتدلة وجيشه، في مأزق ويضيف إلى الأوراق الإيرانية المتكاثرة ورقة جديدة تلعب بها وتناور.
والحال أن هذه التحديات وغيرها تفرض تنسيقاً أفضل بين الدول العربية المشاركة في التحالف الراهن، لبلورة استراتيجية أكثر فاعلية في مواجهة الإرهاب.