الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب وروسيا.. والثورة السورية

العرب وروسيا.. والثورة السورية

11.02.2016
د. خالص جلبي



الاتحاد
الاربعاء 10/2/2016
انتهت مفاوضات جنيف 3 إلى الفشل وعلقت حتى نهاية فبراير الجاري. كان الجعفري يتكلم بلهجة أستاذ مدرسة ابتدائية سورية، من العصر البعثي، وهو يلوح بالمسطرة (عفواً بالعصا) للتلامذة، ثم من شدة تدينه قال إن قرآنه أوحى له أن لا شروط مسبقة للتفاوض!
الجديد أيضاً ما كتبه ستيفن هايدمان من موقع بروكينج للأبحاث، إذ قال إن مَن نسف المفاوضات قبل أن تبدأ هو إدارة أوباما أمام عقدة بشار الأسد! ولا أحد يتحدث عن الثورة السورية في عامها الخامس، وما قدمه السوريون فيها من دماء ودموع وأشلاء وأنقاض!
لقد مرت فرنسا في ثورتها، كنموذج للثورات، من سقوط الباستيل عام 1789 إلى الإمبراطور نابليون عام 1804 الذي أغرق أوروبا بدم مليون قتيل، ليأتي من بعده لويس الثامن عشر عام 1814، فشارل العاشر عام 1824 ثم لويس فيليب عام 1830، فنابليون الثالث الذي بنى أعتى سجن في غابات جوايانا ليهزم شر هزيمة أمام بسمارك في حرب عام 1870، ثم كومونة باريس، ومن بعدها حكم الديكتاتور بيتان قبل أن تولد الجمهورية الحالية. لم تحقق الثورة الفرنسية أهدافها الاجتماعية والسياسية والاقتصاد إلا على فترات مديدة، بل إن بعض أهدافها (مثل الأخوة) لم تتحقق إلى الآن.
وينظر الاقتصادي "عبد الحي زلوم" إلى الحرب في سوريا من منظور اقتصادي، وهو يرى أن هناك حرباً عالمية اقتصادية تخاض بكل ضراوة، وفي إطارها يتم دفع أسعار البترول إلى الهاوية، مما يجعل الدول العربية المنتجة للنفط تخسر كل يوم 1,5 مليار دولار بهذا الهبوط الأسطوري من 150 دولاراً للبرميل إلى 30 دولاراً. ويرى هذا الخبير الاقتصادي أن خيوط اللعبة الأساسية هي بيد أميركا، وأميركا وحدها، فهي كانت حتى عام 1970 منتجة للنفط لتصبح مستوردة، تقوم منطقة الشرق الأوسط بضخ 17 مليون برميل يومياً لتشرب أميركا منها 7 ملايين برميل، لكنها أخذت تعصر الزيت من الصخر والرمل، وإن بكلفة باهظة تزيد عن ثلاثين دولاراً للبرميل. ومع تدني السعر إلى ثلاثين دولاراً أصبح الإنتاج بغير جدوى، وفي الوقت الذي يحاول الاقتصاد الروسي امتصاص الصدمة، وكانت التوقعات أن الكارثة ستحل به مع سعر الثلاثين دولاراً، والذي دفع فعلا الروبل إلى نصف قيمته، فإن روسيا عالجت الصدمة برافعات الضغط الدموي مثل حالات الإسعاف القصوى.
وبذلك تحاول أميركا دفع روسيا إلى الهزيمة من خلال هذه الحرب الشرسة عبر إغراق روسيا اقتصادياً ودفعها للغرق في الرمال السورية. ولعل تحليل "زلوم" يلتقي مع ما ذهب إليه هايدمان في أول المقالة. لكن من يدفع الثمن هم العرب. وهو ما يذكرنا بقصة الغلام والوصي، فقد كان الوصي على أموال الطفل يستعرض كل سنة ما صرف ويقول: يا بني صرفنا ثمن نعال للجمال كذا وكذا.. حتى إذا نضج الغلام استنكر فقال: يا عماه، ولكن الجمال لا توضع لها نعال. فرح الوصي وقال: كان اختباراً لرشدك، فهذه أموالك ترجع إليك. وكذلك الحال مع السفيه، فنحن لم ننضج بعد وما زلنا ندفع ثمن نعال الجمال شيعة وسنة عرباً وإيرانيين.