الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العروبة هي الحل

العروبة هي الحل

28.05.2014
نقولا الفرزلي


الحياة
الثلاثاء 27/5/2014
في مطلع القرن الماضي طالب العرب ببعض الإصلاحات من ضمن الدولة العثمانية، وقامت في سبيل ذلك حركات إصلاحية تطالب بصلاحيات بسيطة للمواطنين العرب. إلاَّ أنَّ نشوء تيارات تركية مغالية في عنصريتها ومحاولتها إعادة الهيبة للأمبراطورية العثمانية المنهارة من خلال فرض برنامجهم الخطير الرامي الى تتريك العرب في البوتقة الطورانية، أدى الى ردّات فعل عربية قوية. فاشتدَّت الحركة العربية وانصرفت النخبة الى تأسيس الجمعيات السرية، وهبّ دعاة الفكرة العربية الى مقارعة العثمانيين والاتحاديين علانية للدفاع عن هويتهم القومية. ولو لم تفصح حركة الاستقلال عن هوية العرب القومية لما انخرط تحت لوائها ملايين العرب.
لقد كانت الثورة العربية الأولى تعبيراً صادقاً عن هذا الشعور القومي العربي العارم الذي أدّى الى تحرر العرب من نير التسلط العثماني وإقامة أول حكم عربي في دمشق في العصر الحديث: حكم الأمير العربي الملك فيصل الأول، وهو ما لم يشهده العرب منذ قيام الدولة الأموية. وقد حدَّدَ الملك فيصل معالم المرحلة الجديدة في خطبته الشهيرة أثناء زيارته مدينة حلب عندما قال "الدين لله والوطن للجميع".
إنها الفترة الخالدة في تاريخ سورية التي نشأت في أجوائها النقية الصافية بذور الثورة على الإستعمار وطغيانه من أجل استقلال الوطن وكرامته، ومن أجل العروبة وشرف الإنتساب إليها ومن أجل تحرير كل الأرض العربية في مشرق الوطن ومغربه.
ومن المحزن أنه بعد مئة عام لم يتمكن العرب من تحقيق وحدتهم القومية فقط، بل تخلَّفت الأوضاع العربية على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنَّ مدناً مثل حلب والإسكندرية كانت في أوائل القرن العشرين متقدمة إقتصادياً وصناعياً على معظم مدن آسيا وجنوب أوروبا، أصبحت اليوم أكثر فقراً من معظم مدن أفريقيا.
لا شك أن الوطن العربي يمر اليوم في ظروفٍ مصيرية يتعرَّض معها الكيان العربي الى مخاطر وتحديات تترتَّب على كيفية مواجهتها نتائج بالغة الخطورة عميقة التأثير في المستقبل العربي كله. فالفكر القومي في تراجع أمام شتى أنواع التشكيك والضغوط المعنوية حتى كادت الأوهام تطرد الحقائق ويكاد البالي من المعتقدات يسيطر على مسلمات العصر.
فهل بلغ الوضع العربي حداً من الإنهيار يصعب معه تصوّر إمكان نهوض هذه الأمة على المدى المنظور، ناهيك عن مجرد صمودها في وجه الهجمة الشرسة على وجودها بالذات. سؤال يطرحه الكثيرون ممن يحملون الهم العربي العام، بل تطرحه الأحداث بقسوة وصراحة نادرتين. فها هو المشرق العربي برمته من العراق الى سورية ولبنان، فضلاً عن مصر وليبيا واليمن والسودان وتونس والجزائر، وكلها عناوين من نار لحرائق يهدِّد امتدادها الكيان العربي المادي ويدمِّر مقوماته المعنوية والإنسانية.
لقد قيل وكتب الكثير في أسباب الحروب الشرسة الدائرة على الأرض العربية، ولكن السبب الأهم في رأينا وقناعتنا، السبب الذي لم يذكر، هو غياب القومية العربية بمفهومها الإنساني غير العنصري واللاطائفي. وقد نتج عن هذا الغياب فراغ، ملأته الأفكار المناهضة والتيارات الظلامية المنافية تزييفاً وعبَّأته قتلاً وتدميراً وهتك أعراض وتشويه معان. وما برح التشويه يجر التزييف حتى اختلطت المفاهيم واهتزت المقاييس وخُيِّل الى بعضهم أن الأعداء قادرون على احتواء كل الأقطار العربية، وخُيِّل الى البعض الآخر أنَّ ثمَّة سلاحاً، غير الروح القومية الإنسانية الصادقة، يمكن أن يُشهر في وجه الأعداء أو يتحقق به النصر عليهم.
ان المجازر المستمرة اليوم في المشرق العربي وبصورة خاصة في سورية والعراق ليست جسدية فقط، بمعنى أنها تستهدف حياة الأفراد، بل معنوية لأنها تستهدف كل القيم القومية والإنسانية وكل المبادئ السامية للعروبة. إننا نتحدث الآن عن فترة زمنية تأكد فيها للجميع أن ثمَّة مؤامرة محكمة تستهدف ليس الأنظمة وحدها، بل تستهدف ما هو أهم بكثير وهو فكرة القومية العربية وهدف الوحدة العربية، وبالتالي صار من الواجب الإرتفاع بالرد الى مستوى التحدي. لقد قطع المخطط أشواطاً في طريق التنفيذ إلاَّ أن فرص إحباطه لا تزال موجودة ويجب ألاَّ نفوِّتها.
إن النعرات الطائفية والعنصرية والإقليمية هي شوائب وأمراض في جسم الأمة العربية. وتقدم المحنة التي يعيشها العرب اليوم، وسط الموت والآلام والدمار، فرصة تاريخية للقضاء على هذه الأمراض. انها فرصة للأمة العربية بأسرها كي تظهر فيها على حقيقتها الأصيلة وتُحرّر الإنسان العربي من الرواسب ليستطيع بدوره تحرير أرضه وخيراته المغتصبة وتوحيد أمَّته المجزَّأة، وبهذا وحده تستطيع الأمة العربية أن ترفع عن نفسها الظلم التاريخي اللاحق بها. فالعروبة يجب أن تكون قادرة على توضيح صورة المستقبل العربي المنشود من خلال الحاضر الذي نبنيه. والشرط الأساسي للنهضة العربية هو أن تقدِّس الحرية وتطبّقها وتؤمن بالإنسان وتحترم حريته واستقلاله.
وفي الختام يجب ألاَّ ننسى "ان القومية التي ننادي بها هي حب قبل كل شيء. هي نفس العاطفة التي تربط الفرد بأهل بيته. لأن الوطن بيت كبير والأمة أسرة واسعة".