الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرّاب الروسي يقود عربة النظام السوري لحسابات أخرى

العرّاب الروسي يقود عربة النظام السوري لحسابات أخرى

02.10.2013
عبير بشير


المستقبل
الثلاثاء 1/10/2013
عندما يتحدث رئيس ديوان الرئاسة في الكرملين سيرغي إيفانوف في ستوكهولم، على أن روسيا قد تتخلى عن الأسد، إذا حاول المراوغة في تنفيذ الاتفاق الدولي حول تدمير ترسانته الكيميائية طبقا لمراحله المقررة وذلك خلال مؤتمر نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية - وعندما تؤكد روسيا منذ منتصف الأزمة السورية على أن استعمال دمشق للكيميائي هو خط أحمر. فأكيد ان هذه المواقف لا تنبع من موقع أخلاقي أو مسؤول عن دماء السوريين، او انها تعكس فقط بأن روسيا أصبحت الوكيل الحصري للنظام السوري، بل إنه جرت تحت الجسر مياه كثيرة.
وبقراءة متروية، فلا شك في أن مشروع الاقتراح الروسي- الواضح - الذي تقدمت به روسيا بشأن وضع السلاح الكيميائي السوري تحت الرقابة الدولية وتدميره حتى منتصف 2014، يعكس حجم المأزق الهائل الذي كانت تشعر به روسيا من جراء التهديد الحاسم للولايات المتحدة بضربة عسكرية عقابية وشيكة للنظام السوري، ردا على مجزرة الكيماوي في الغوطة، وإدراكها لمعنى أن يتعرض النظام المتهالك لضربة قوية في وجود معارضة مسلحة تستعد للتحرك السريع على الأرض والاستفادة بأقصى طاقتها من الضربة فإن لم يكن لتحقيق نصر حاسم، فأقله قلب الموازين العسكرية في أكثر من منطقة. وفي الوقت نفسه عدم رغبة موسكو على الرد والتصعيد العسكري والانزلاق بالمستنقع السوري مباشرة، وإدراكها لحجم الحرج الذي ستتعرض له من جراء وضع كل هيبتها على المحك داخليا وخارجيا إذا لم ترد وتتدخل.
ولكن الموضوع ليس بهذه البساطة والسذاجة، ونحن لا نستطيع إلا أن نرى ونسمع ونشتم حماسة روسية ونشوة وبريق في اعين وزير الخارجية الروسي لافروف واكب موافقة دمشق الفورية وغير المشروطة على تدمير سلاحها الاستراتيجي الكيماوي . وعلى غير ما كان متوقعاً ومنطقيا، لم تظهر ملامح النكسة أو الأسى على وجوه الدبلوماسيين الروس أو على وجه قيصر روسيا فلاديمير بوتين وهم يقومون بالاتفاق مع الولايات المتحدة على تفاصيل تفاصيل هذه الصفقة التي تنزع من بين يدي حليفهم بشار الأسد سلاحه الاستراتيجي، فيما الخلاف فقط حول وضع الاتفاق تحت البند السابع.
وعلى كل الأحوال، لم تكن الدبلوماسية الروسية الذكية والنشطة والتي تلعب بالبيضة والحجر أن تعجز عن التوصل إلى صيغة مرنة وفضفاضة بشأن الكيماوي السوري لتجنيب النظام السوري ضربة عسكرية وشيكة، وقد تكون هذه الصيغة حصر الكيميائي السوري ووضعه تحت رقابة دولية صارمة مع تنفيذ الإدارة الأمريكية لضربة محدودة في المكان والأهداف، وليس بأن تهرول موسكو إلى اقتراح تدمير كل المخزون الكيميائي، وتذهب إلى أقصى الحدود في ذلك ودفعة واحدة وبشكل مباشر وسريع وفاقع وصل إلى من به صمم -.
وفي هذه اللحظة بالذات، تطل علينا ما تناولته مراكز الأبحاث الشرق أوسطيه في أكثر من مناسبة، حول علاقة وطيدة تربط دوائر الحكم والسلطة في روسيا وعلى رأسها القيصر بوتين، باللوبي الصهيوني الروسي، والحديث هنا عن ثقل وتأثير بالغ القوة والعمق لليهود الروس يفوق قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فقد شكلت مرحلة تفكك الاتحاد السوفياتي وتحوله إلى روسيا الاتحادية، بداية قوية لنفوذ اليهود الروس، ثم جاءت فترة رئاسة يلتسين الذي احاط نفسه بكبار المستشارين والوزراء اليهود، وفي عهده تم إطلاق قطار الخصخصة، وتحولت ملكيات الدولة إلى ملكيات للمليارديرات اليهود، الذين أقاموا إمبراطوريات مالية واقتصادية وإعلامية ضخمة، وسيطروا على لوبي السلاح، وهندسوا شبكة معقدة من المصالح وصلت إلى كبار الساسة الروس.
ومن هنا نستطيع أن نفهم أن تدمير المخزون الكيميائي السوري، كان مطلبا ملحا للوبي الصهيوني الروسي، تم وضعه على طاولة الكرملن منذ فترة طويلة، وأتت الثورة السورية لتضعه في سلم الأولويات تحت ضغط هائل من اللوبي الروسي.
في المحصلة، قامت روسيا بإعطاء قبلة الحياة للنظام السوري، وارتفعت السكين عن وريد النظام لعشرات الأمتار. ولكن الدبلوماسية الروسية الذكية لن يفوتها أن تصل إلى قناعة باستحالة استمرار الأسد إلى الأبد، فهي تعرف بانه من غير المتوقع بأن تسمح الولايات المتحدة، بهزيمة او سحق المعارضة، رغم قلة الدعم العسكري الأمريكي لها، ومن غير المعقول أن يرحل أوباما عن البيت الأبيض، ويبقى الأسد في قصر الشعب. ثم أنه بقراءة سريعة لمضمون الاتفاق الأمريكي الروسي، نستطيع بأن نلمح شبه توافق ضمني على حتمية رحيل الأسد وبقاء جزء كبير من نظامه ودخوله في شراكة مع قوى المعارضة المعتدلة، والبحث في الترتيبات التي ترافق ذلك، وترتيبات ما بعد الرحيل، بحيث يمكن السيطرة على مراكز الأسلحة الكيميائي، حتى لا تقع في أيدي الجماعات المتطرفة، ثم عملية خنق وتطويق لتلك الجماعات، بحيث لا تستغل الفراغ الناتج عن غياب الأسد، وتدخل سورية في دوامة جديدة من الصراع المسلح على مناطق النفوذ، ودوامة الحرب الأهلية. ولكن من الواضح أيضا، أن هذا التوافق على هذه الصيغة يسير ببطء، ويشهد تقديم رجل، وتأخير اثنين. وفي ظني أن القضية تتطلب ضغطاً إعلامياً ودبلوماسياً هائلاً تتبناه الإدارة الأمريكية، كما يتطلب ذلك تعزيز العلاقة بين المملكة السعودية وروسيا وتكثيفها، واستعمال لغة المصالح إلى أبعد الحدود، بحيث نصل إلى تحقيق مقولة لا أسد للأبد-.
وقد يضحك بعضهم على هذه المقولة، لأنه وعلى طول الأزمة السورية ومراحلها، كان هناك اصوات بالجملة تقول بالفم الملآن عن الساعة الأخيرة في عمر النظام، والنصف ساعة الأخيرة، والربع ساعة، والخمس دقائق الأخيرة، وفي كل مرة يتم تمديد عمر النظام بقدرة قادر، فمنذ حدوث انشقاقات واسعة في صفوف الجيش النظامي إلى ضرب عصب النظام مقتل الضباط الأربعة إلى... إلى...إلى... وصولا إلى استعمال الكيميائي والضربة الامريكية التي كانت مقررة فرس الرهان -، كان هذا الحديث يتكرر، ولكن في كل مرة ينجو النظام بأعجوبة حتى من يقول أن قبل استعمال النظام السوري للكيماوي شيء، وبعده شيء آخر، وإن ما قبل اتفاق الكيماوي شيء، وما بعده شيء آخر، فإنما يقول نصف الحقيقة. لأنه وحتى إن تعرى النظام دفعة واحدة، عندما وافق مسرعا على نزع أسلحته الكيماوية التي أنفق عليها مقدرات شعبة لعقود من الزمن من أجل بقاء رأس النظام، فهذا لا يغير شيئاً على الأرض - لأن ما لجرح بميت إيلام-.
هذا من جهة، ومن جانب آخر، حتى لو أعاد الاتفاق الكيماوي السوري إلى الأذهان، سيناريو الاتفاق الكيماوي العراقي، بمعنى ان يصل المفتشون الدوليون إلى قصر الشعب، وعصب الآلة العسكرية السورية، فهذا معناه ان أمامنا عشر سنوات أخرى حتى يسقط النظام السوري كما حدث مع النظام العراقي-.
في النهاية لا مناص من حل سياسي للأزمة السورية، ويبقى التصعيد العسكري، وقدرة الثوار على الصمود وكسب النقاط على الأرض هي كلمة السر، للدفع في اتجاه الحل السياسي، في الوقت نفسه، فإن حلحلة الملف السوري مرهون بشكل مباشر، بقرار استراتيجي يتخذه باراك أوباما برحيل الأسد، وما يترجم ذلك من سلسلة خطوات على الأرض لتطويق ومحاصرة الموقف الروسي الداعم للأسد، ودفع روسيا للس__ير قدما في مرحلة ليس فيها الأسد.