الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العسل في جنيف والموت في سوريا

العسل في جنيف والموت في سوريا

23.01.2014
فايز الفايز


الشرق القطرية
الاربعاء 22/1/2014
ينتظر أن ينعقد مؤتمر جنيف 2 اليوم الأربعاء بعدما تدخل الأمين العام للأمم المتحدة في اللحظة الأخيرة لسحب طلب المشاركة الإيرانية في المؤتمر، ولكن هل سيخرج المؤتمر بحلول تنهي الكارثة السورية، هل سيتنحى الرئيس الأسد ويرحل نظامه بكافة رجاله، وهل ستقطع يد إيران وحزب الله عن التدخل في الصراع هناك وتأجيجه، أم ستخرج توصيات لا تغدو عن كونها حبرا على ورق، لا تستحق أكثر من قيمة الورق الذي سيحمل التوصيات، فيما لا يزال ملايين السوريين الأبرياء يعانون الموت والبؤس والشقاء والتهجير والتدمير داخل بلدهم وخارجه، فيما الجميع يتحدث عن المرحلة القادمة التي لن يترك فيها الأسد الحكم ولن تتخلى عنه طهران أو روسيا لأنهم ثلاثة وجوه لنظام واحد يحكمون بديمقراطية العصا الحديدية وقمع الرأي العام ويجاهرون بالعداء للرأسمالية الغربية، بينما يغازلونها في الغرف المغلقة.
ما يحدث في سوريا هو كارثة إنسانية لا تقل عن كوارث القارة السوداء، والأدهى أن المجتمع السياسي الدولي يبيعنا أخلاقيات ومناهج حكم ديمقراطي ومؤلفات حقوق إنسان، ويصمت عما يجري على الأرض هناك، وهو لا يكاد يرى ملايين اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء بدول الجوار السوري، فيما يعلن خشيته من قوات المجاهدين والقاعدة وأحلافها بينما يغض الطرف عن تدخل قوات إيرانية ومليشيات نصر الله التي غيرت موازين القوى خلال الفترة الأخيرة، ودفعت سكان بلدات بأكملها إلى الهجرة من مناطقهم.
عصابات الحكم أخذت في التوالد بناء على تغيرات الواقع وحسابات المصالح، وخروج أسماء منظمات جديدة تعرقل تقدم المقاومة بدعوى اختلافات في النوايا، ولكن لم يكن أي نظام أو عصابة بهذه القوة لولا ضعف المنظومة العربية المتمثلة بالجامعة العربية وهوان الشعوب العربية، التي أصبح معظمها غريبا في بلده وفي بيته وفي نفسه حتى، إنه العالم العربي الذي أصبح الإنسان في بعض دوله المحكومة بالبساطير والبنادق، يشعر بالخجل من أن يكون منه، أو يعيش على أرضه.
من هنا يدعونا هذا التمرد اللا متناهي على أبسط حقوق الإنسان وأخلاقيات الحكم التي نشهدها في عالمنا العربي، يدعونا إلى التشاؤم من المستقبل المنظور على الأقل، وعندما تتحول الأنظمة الحاكمة إلى عصابات إرهاب وتعتمد على مليشيات مملوءة بالحقد والأمراض النفسية، يقودها ساديون متعطشون للدم، فتلك هي نهاية متوقعة للأصنام ولعبدة الأصنام، وعبدة الأرواح الشريرة، ولكل من تطارده لعنة التاريخ الأسود الملطخ بدماء الأبرياء، ولكن نعود لنسأل كم هي قيمة الفاتورة البشرية وما هو الثمن من الدماء والتشريد والبؤس مقابل أن تستتب الأمور ويتنازل النظام في بلد كسوريا تشرد ربع شعبه كما لو أنهم هوام تطاردها الوحوش؟!
إن هذه الأرض التي لم يعد أهلها يملكون أمرها ولا أمرهم خصها الله تعالى بما لم يخص أرض الدنيا كلها، فالإنسانية وجدت فيه أولاً، والحضارات بدأت على ترابه، والأديان هبط بها الوحي الأمين على الأنبياء الذين ولدوا وعاشوا بين نيله وفراته، وبين قدسه وحجازه، فالمسيح عليه السلام أبن هذه الأرض وليس ابن واشنطن، وإبراهيم ابن هذه الأرض وليس ابن لندن، وعـزير عليه السلام ابن هذه الأرض وليس ابن باريس، وموسى ابن هذه الأرض وليس ابن روما، ومحمد عليه السلام ابن مكة وليس ابن طهران، فلماذا يزج بتلك الدول على طاولة مفاوضات في الأصل أن تكون عربية خالصة تشهد على تنازلات تنهي الصراع لا تؤججه.
للأسف كأننا عدنا إلى زمن الإمبراطورية فارس والروم، وذلك لضعفنا، حتى تحكمّ في عالمنا جبناء أعطاهم الحكم والسلاح قوة مخيفة، فالضعيف جبان، والجبن مصيبة المصائب، فإن كان أعزل انهار فورا، واستسلم للقطط بل للفئران لتنهش جسده، وإن كان مدججا بالسلاح سيخرج الوحش النائم قسرا في نفسه، ليعوض خوفه بالطمأنينة عبر سلاحه، وسيمارس بطشه على خصمه ليشبع غروره ويتخلص من ذلته، ويروي ظمأه للعزة وللاحترام وللأمانة الإنسانية، ولذلك لا بد من قرار أممي لوقف القتال فورا وإنهاء الكارثة في سوريا دون خوف أو تملق لأي من الأطراف.