الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العلاقات التركية - الروسية إلى أين؟

العلاقات التركية - الروسية إلى أين؟

06.12.2015
د. محمد نور الدين



الشرق القطرية
السبت 5/12/2015
بكبسة زر، انتقلت العلاقات التركية - الروسية من مرحلة الشراكة الإستراتيجية إلى مرحلة يمكن وصفها بالعداوة. وكما كان إسقاط سوريا طائرة تركية قبل ثلاث سنوات إيذانا باعتبار أنقرة أن سوريا باتت عدوا، فإن إسقاط أنقرة للطائرة الروسية على الحدود بين تركيا وسوريا في لواء الاسكندرون، كان سببا لكي تعتبر روسيا وبصورة غير رسمية تركيا بلدا معاديا. العلاقات بين البلدين تاريخيا كانت نموذجا للتوتر والصراعات والتنافس، وخاض البلدان على مر تاريخهما المشترك حروبا دامية مباشرة وفي البلقان والقوقاز، وعندما أطاح الشيوعيون بالقيصرية انتقل التنافس بين تركيا وروسيا إلى المرحلة السوفيتية وأصبحت تركيا جزءا من حلف شمال الأطلسي ورأس حربة، هي العلمانية في نظامها، في مواجهة الشيوعية. التحول الأساسي في هذا العداء كان مع وصول حزب العدالة والتنمية عام 2002 إلى السلطة وانتهاجه سياسة صفر مشكلات وكانت روسيا في مقدمة الدول التي نسج معها الأتراك علاقات جديدة مميزة. حتى الأزمة السورية الحادة لم تؤثر سلبا على هذه العلاقات الجديدة واتبع البلدان سياسة فصل العلاقات الاقتصادية عن الخلافات السياسية ونجحا في ذلك تماما كما هي العلاقات بين إيران وتركيا وتحييد الخلافات السياسية عن أن تؤثر في العلاقات الاقتصادية. إسقاط الطائرة الروسية من جانب تركيا في 24 نوفمبر الماضي، كان محطة فاصلة بين مرحلتين: ما قبل إسقاط الطائرة وما بعدها. توالت الإجراءات التي اتخذتها روسيا ضد تركيا بعدما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن تركيا طعنته في الظهر وأن الثمن الذي ستدفعه تركيا سيكون كبيرا جدا، وقد تراوحت الإجراءات بين الاقتصادي المباشر وبين الاستراتيجي والإقليمي والدولي. لا شك أن الأتراك سوف يعانون كثيرا من الإجراءات الروسية على الصعيد الاقتصادي، ففي روسيا استثمارات تركية جارية لا تقل عن عشرين مليار دولار فيما مجموع الاستثمارات الموجودة يقارب الستين مليار دولار. وهناك مئتا ألف عامل وموظف تركي في الشركات والمشاريع التركية في روسيا يتوجب عليهم المغادرة بعد شهر بموجب الاستغناء عن العمالة التركية ووقف العمل بدخول الأتراك روسيا من دون تأشيرات دخول. وسوف يتأذى القطاع الزراعي التركي عبر وقف روسيا استيراد الخضار والفاكهة والدجاج وما إلى ذلك، كذلك فإن حملة مقاطعة الإنتاج التركي من الملبوسات والنسيج عموما سوف تنعكس سلبا على الصادرات التركية. أيضا فإن السياحة الروسية إلى تركيا مصدر مهم لتركيا إذ يبلغ العدد حوالي 5 ملايين سائح يضخون خمسة مليارات دولار، كل هذا يؤذي الاقتصاد التركي. بالطبع تركيا حتى الآن لا تزال تلتزم الصمت وتسعى للتهدئة مع روسيا لكنها في حال انسداد سبل الانفراج في العلاقات فإن أنقرة ستبادر إلى عقوبات مضادة على روسيا ستترك تأثيرها على الاقتصاد الروسي. مع ذلك ففي المقارنة النسبية بين الاقتصادين، فإن الاقتصاد الروسي أكثر قدرة على الصمود كونه أكبر بالضعف من الاقتصاد التركي وهو تأقلم مع الظروف الصعبة مثل انخفاض سعر النفط والعقوبات الأوروبية عليه. وفي التدابير الإستراتيجية فإن زيادة روسيا لوجودها العسكري وبأسلحة إستراتيجية مثل منظومة صواريخ إس 400 وإرسال مقاتلات متطورة تواكب عمل القاذفات لحمايتها وتشديد الهجمات العسكرية على المعارضة السورية ومنها تلك القريبة على المعابر الحدودية كلها تضع تركيا في موقع أقل مناورة في الأزمة السورية. الحديث عن الخطأ من جانب أنقرة وعدم تقدير ردة الفعل الروسية أو لامبالاة موسكو بردة الفعل التركية والتصرف على أساس أن أنقرة لن تتصدى للطائرات الروسية أصبح من الماضي. وما نشهده اليوم مرحلة جديدة من انكسار العلاقات التركية الروسية التي لن تستطيع أن ترمم نفسها في المدى المنظور وتعيدنا إلى ظروف ما قبل وصول الشيوعيين إلى السلطة في موسكو أي إلى مرحلة القيصرية في مواجهة العثمانيين. رغم أن العلاقات الثنائية الحديثة بين موسكو وأنقرة استندت إلى مصالح اقتصادية وواقعية غير أن ما جرى بإسقاط الطائرة أولا ومن ثم التدابير العقابية الروسية ثانيا يجعل من الحساسيات التاريخية أقوى وغالبة في تحديد المسارات في لحظة لاوعي باطني لدى الطرفين.