الرئيسة \  مشاركات  \  العلاقة الجدلية بين التفاهة والتوريث

العلاقة الجدلية بين التفاهة والتوريث

19.10.2015
د. محمد أحمد الزعبي





تعني العلاقة الجدلية بين ظاهرتين أو فكرتين التأثير المتبادل عمودياً وأفقياً بين طرفي هذه العلاقة ، وهما هنا التفاهة والتوريث .
أحفظ منذ صغري مثلا إنكليزيا يقول " ابن النجيب لا ينجب ، وإذا نجب فاق أباه " ، تذكرت هذا المثل في إطار هذه المقالة التي سأحاول فيها أن أطل إطلالة سريعة على مدى انطباق هذا المثل الشعبي البريطاني على حالتنا السياسية السورية . وأبدأ إطلالتي هذه بالتذكير بمقولة الإمام علي (رضي)
"لاتلزموا أولادكم على أخلاقكم فلقد ولدوا لزمان غير زمانكم " ، أي أن تغير الزمان لابد أن يؤدي إلى تغير البيئة الاجتماعية التي يرضع منها الفرد مع حليب أمه العادات والتقاليد ومنظومة القيم الاجتماعية ، وبالتالي فإن لكل فرد منا وراثتين ، واحدة بيولوجية وأخرى اجتماعية ، أي أن المثل البريطاني إذا ما انطبق على الوراثة البيولوجية ، فإنه لا ينطبق بالضرورة على الوراثة الاجتماعية ، إلا إذا كانت المسافة الزمنية بين الأب والإبن متقاربة ومتداخلة بحيث تصبح الوراثة الاجتماعية بدورها متقاربة ومتداخلة ، ويصبح بالتالي سلوك الإبن قريباً من التماهي مع سلوك الأب .
وفيما يتعلّق بالحالة السورية ،فان المسافة الزمنية المتداخلة بين الأب(حافظ ) والإبن ( بشار) تبلغ34 عاما، وهكذا يكون بشارالأسد قد أخذ عن أبيه كلا الوراثتين البيولوجية والاجتماعية ، قبل أن يتبعهما بالوراثة السياسية التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة عام 2000.
و فيما يخص العلاقة الجدلية بين "التفاهة " و "التوريث"، فلابد من الإشارة:إلى أن مفهوم التفاهة إنما يشير من الناحية اللغوية إلى قلة الصفات الإيجابية في الشيء أو الشخص ، أو ربما أنعدامها ، فنقول شخص تافه أي أنه قليل العقل والفهم من جهة ، وعديم أو قليل الصفات والمواقف الإيجابية ( المروءة مثلاً ) من جهة أخرى . إن ما دفعنا إلى اختيار عنوان هذه المقالة ( العلاقة الجدلية بين التفاهة والتوريث )هو ارتباط هذين المفهومين ( التفاهة والتوريث ) ببشار الأسد ، من حيث وصوله إلى السلطة في سوريا توريثاً ، أي عن غير طريق صندوق الاقتراع ، من جهة ، ومن جهة أخرى، من حيث تأييده التدخل والاحتلال الخارجي ( الإيراني والروسي خاصة ) لبلده سوريا (!!) والتي يعتبر نفسه رئيساً لها ، وهو مايدخله ـ برأينا ـ في خانة التفاهة . إذ من غير المعقول أن يؤيد شخص احتلال بلده ، بل يستدعي هو بنفسه القوى الأجنبية لكي تحتل بلده ، ألاّ يكون تافهاً .هذا وتبدو تفاهة " صاحبنا " واضحة للعيان إضافة إلى مسألتي التوريث واستدعاء التدخل الأجنبي ، بصورة أساسية ، فيما يلي :
 
1. إطلاقه على الشعب الذي يدعي أنه رئيسه الشرعي صفة " العصابات المسلحة " و " الإرهابيين " والذين حدد عددهم في خطابه الأول بعد الثورة ( 30آذار 2011 ) ب 64 ألفاً ، أي بعد أسبوعين فقط من بدء المظاهرات السلمية الشعبية المطلبية ، التي انطلقت في 18 آذار2011 ، ثم رفع هذا العدد في خطاب لاحق ( أذار 2015) إلى الملايين (حرفيا : وإن كان مليون منقول ملايين ) وكان يقصد أبناء الشعب السوري تحديدا ، حسب ما قاله بعظمة لسانه في خطابه إيّاه ( أنا لاأتحدث عن أي إرهابي أتى من الخارج ، أتحدث عن إرهابيين سوريين ، أبناء هذا المجتمع !! ) .
2. لجوئه المباشر إلى " الحل الأمني " في مواجهة المظاهرات الشعبية السلمية المطلبية التي انطلقت في محافظة درعا ( حوران ) تطالب ببعض الإصلاحات التي أقر هو في أحدى تغريداته الإعلامية بمشروعيتها ، حيث تم إطلاق الرصاص الحي على هؤلاء المتظاهرين السلميين واستشهاد السيدين محمود قطيش الجوابرة وحسام عياش يوم 18.03.2011 ، ثم تبعهما في اليوم التالي وخلال عملية دفن هذين الشهيدين، إطلاق الرصاص الحي أيضاًعلى المواطنين المشاركين في الجنازة مما أدّى إلى سقوط شهيدين آخرين ( لقد وثّق سميح شقير هذه الواقعة بأغنيته الرائعة والمعبرة " يا حيف " ) .
3. سكوته على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967 ( إبّان حكم أبيه ) ، وعلى انتهاكها ( إسرائيل ) حرمة الأجواء والأراضي السورية عدة مرات ، والادعاءات الكاذبة بالممانعة والمقاومة للتغطية على هذا السكوت . هذا مع العلم أن تفسيرنا الخاص لهذا السكوت ، هو وجود علاقة استراتيجية بين النظامين الطائفيين في كل من سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة ، وهي تشمل مرحلة كل من الأب والإبن ، حيث كان يتم دائماً ترحيل الرد السوري على الانتهاكات الصهيونية المستمرة جواً وبرّاً وبحراً الى. " الزمان المناسب " الذي لم يأت خلال أربعة عقود !! . ولمن يرغب أن يذكرنا بحرب تشرين " التحريرية !!" فإننا نذكره بأن هضبة الجولان ماتزال بيد إسرائيل حتى كتابة هذه المقالة .، ونقول له : لقد كانت حرب تشرين / حرب أكتوبر ، حرب زيارة السادات للقدس ، وليست حرب تحرير لاالجولان ولا سيناء ، كما ونذكره بالبلاغ العسكري رقم 66 الذي أصدره حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع عام 1967، والذي أعلن فيه سقوط مدينة القنيطرة بيد إسرائيل ، قبل أن تطأها قدم أي جندي إسرائيلي !! .
4. إصراره على الحل الأمني وتشبثه بالكرسي الذي ورثه عن أبيه ، حتى بعد أن بلغت ضحايا هذا التشبث أكثر من مليون مواطن سوري بين شهيد وجريح ومفقود وسجين ، وأكثر من عشرة ملايين مواطن سوري بين مهاجر ومهجر ولاجئ ونازح . وحده الرئيس الوريث كان ( لايرى ولايسمع ) ، بل ولا يمل من وصف هؤلاء المواطنين السوريين الشرفاء بـ " العصابات المسلحة " و " الإرهابيين " . وتخطر لي الآن عبارة كنا نستخدمها مع بعضنا ونحن صغار هي " الكلام صفة المتكلم " ، نعم ياسيادة الوريث ، الكلام صفة المتكلم ، أي أنك أنت الإرهابي الأكبر في سورية ، وأن صفة " قاتل الأطفال " هو الإسم واللقب الذي تستحقه بجدارة من الشعب السوري .
5. استعانته بالغرباء ( إيران وحزب الله اللبناني ونظام السستاني في العراق وأخيرا وليس آخراً بروسيا بوتين ) على أبناء شعبه الذين يزعم أنه رئيس جمهوريتهم !! . بل إن ما يدعوه النظام إعلاميّاً ب " العدو الإسرائيلي " قد دخل على الخط الروسي الآن عبر التنسيق العسكري مع القوات الروسية المتواجدة في سورية برا وجوا وبحرا ، وعلى المكشوف ، وهكذا اصبحت " سوريا الأسد " مفتوحة الأرض والسماء لكل من هب ودب،( بما في ذلك إسرائيل ) يدخلها من يشاء، متى يشاء ، وكيف يشاء ، وما زال " سيادته " !! وياللعجب ، مصرا على أنه هوالرئيس الشرعي للجمهورية العربية السورية دونما خجل أو وجل . إنها التفاهة بشحمها ولحمها ياسيادة الوريث !! .
6. ممارسته الكذب والتضليل الإعلامي ،في قتله مئات الألوف من السوريين وتهجيره الملايين منهم خارج الوطن ، ووضعه الشعب السوري بين خيارين ( أحلاهما مر) "الأسد أو تدمير البلد " ( ياللتفاهة !! ) ولقد كان " التدمير" على مابدى ويبدو ،هو خياره المفضل ، سواء بيده ، أو بيد ( عمرو ) ممن جاؤوا لنصرته من خارج الحدود، وذلك للقضاء على ثورة الربيع العربي في سورية ، الرافضة لديكتاتورية الوريث ومواقفه التافهة .
لقد تبدى كذبه المضحك والفاضح في عدد من مقابلاته الصحفية التي أنكر فيها حتى معرفته بالبراميل المتفجرة، وبقتل الأطفال، أما تهجير الناس وتجويعهم وتدمير المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والبنايات السكنية ، فقد حملها " سيادته " ( لافض فوه ) ل " العصابات المسلحة " و " للإرهابيين " و لقد أصر على الكذب رغم تذكير الصحفي له بأن المعارضة، لاتمتلك أية طائرات تستخدمها في إلقاء هذه البراميل المتفجرة !!. إنها الوقاحة بشحمها ولحمها ، ياسيادة الوريث !!. ويبدو أن علينا أن نستحضر هنا مقولة
( إللي استحوا ماتوا ) .
7. إن سوريا ليست مفتوحة لكل من هب ودب من زبائنك ، ياسيادة " الوريث !! " وإن شعبها الصامد والصابر ، لن يقبل برئيس طائفي عنصري حاقد مثلك ، وصل إلى السلطة على ظهر الدبابة وجناح الطائرة ، وهو يقبع اليوم في مكان ما من سورية بحماية القوى الأجنبية ، ويتفرج عبرالتلفاز على مآسينا ودمائنا ، وعلى موتنا تحت التعذيب ، بل وعلى موتنا جوعاً وعطشاً وغرقاً وكمداً .
إن ماينبغي أن نذكرك به ياسيدة الوريث ، ونحن على أبواب السنة الخامسة من الثورة ،هو أن شعار الثورة والثوار كان وما يزال( وبعد أن رفضت أنت مطالبهم المشروعة بالإصلاح وحفظ الكرامة ) " الشعب يريد إسقاط النظام " . ولكن مضمون هذا الشعار بات اليوم يتجاوزشخص " الرئيس الوريث "، ليشمل نظامه برمته ، ويشمل معه أيضاً كل زبائنه ومرتزقته ، الأقربون منهم والأبعدون ، بدءا بحسن نصر الله وانتهاء ببوتين ، مرورا بقاسم سليماني وبقية الرهط الطائفي المعروفين للجميع ، والذين أحضرتهم ، لقتل أطفالنا واغتصاب حرائرنا وذبح شبابنا . إننا نقول لك ولزبائنك من شبيحة الداخل والخارج ، من شبيحة الأرض وشبيحة السماء ،و بلسان عربي مبين : ياسيادة الوريث ، ويامناصريه القادمين من خارج الحدود ، إن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، وإنه " على الباغي تدور الدوائر " ، وإن التفاهة لاتعفي من المسؤولية .