الرئيسة \  مشاركات  \  العلاقة بين الضربة الأمريكية لسوريا وحذاء الطنبوري والشيطان

العلاقة بين الضربة الأمريكية لسوريا وحذاء الطنبوري والشيطان

07.09.2013
إبراهيم درويش



قبل أن يضع باراك أوباما خطوطه الحمر والخضر والرمادية أمام النظام السوري، وهو يمارس هواية التقتيل والتدمير بحق السوريين ووطنهم، وقبل اختراع التلفزيونات والدراما والمسلسلات والأفلام انشغل فريق من الناس فترة من الزمن بحذاء أبي قاسم الطنبوري؛ ما كان شكله، حجمه، وزنه، لونه، ثمنه، لماذا كان الطنبوي يتمسك به تمسك أوباما بخطوطه ذات الألوان المتعددة؟ من أي شيء صنع ذلك الحذاء حتى تسبب بكل هذه المصائب في بغداد؛ من سدٍّ لمجاريها، وشجٍّ لرؤوس مارة، وتدمير لمحلات العطور الفاخرة، ولماذا كانت هذه العلاقة الحميمية بين أبي قاسم وحذائه بالرغم من كثرة المصائب التي جرها الأول على الثاني...؟؟!!
ثم انشغل الناس بعد ذلك بحذاء الشيطان؛ وصاروا يتكهّنون في كنهه؛ وينسجون القصص والحكايات والخرافات حوله، هل هو من نوع أحذية الآدميين؟ ما طبيعته؟ ما لونه؟ ما سُمك نعله حتى يتحمل كثرة أسفار الشيطان وتنقلاته في جميع فصول السنة؟ هل هو خفيف أم ثقيل؟ كم ثمنه؟ من صنعه للشيطان بهذه المتانة حتى يجوب به الأرض على مدار الأزمنة وتعاقب الليل والنهار دون أن يهتريء أو يصيبه البلى؟ وهل يتعرض للتلف ويحتاج للتصليح مثل أحذيتنا؟ وإذا كان كذلك فمن هو الإسكافي الذي يقوم به؟ وما عنوانه؟...إلخ من الأسئلة التي لا طائل تحتها سوى تزجية الوقت وملء الفراغ والتسلية البريئة وغير البريئة، تماماً كما يتناول كتّابُ المقالات والتحليلات الإخبارية مع خطوط أوباما وتهديداته لبشار أسد ونظامه.
غير أن خطوط أوباما ــ والحق يقال ــ قد استأثرت باهتمام أكبر من حذاء الطنبوري وحذاء الشيطان، حتى غدا القاصي والداني يتحدث عنها، ربما بسبب هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام والدعاية المرئية والمسموعة والمقروءة، وفي ظل الأقمار الصناعية والفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة. لقد خدمت هذه التكنولوجيا خطوط أوباما وتهديداته وروّجت لها ليل نهار وبكل لغات العالم، ولذلك لم تفقد بريقها بالسرعة التي فقد فيها حذاء الطنبوري أو الشيطان بريقهما! وربما لأن الإعلام يقدّم هذه المادة بصيغ وأشكال وقوالب جذابة براقة أكثر من لون حذاء الطنبوري أو الشيطان، تماماً كما يفعل السحرة أو أصحاب الخدع البصرية أمام مشاهدين مبهورين، أو كالسراب الذي "يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد اللهَ عنده فوفّاه حسابه" سورة النور/ الآية39.
لم يقترف نظام بحق شعبه وبلده ـ مهما كان شريراً وعدوانياً وسادّياً ـ من الجرائم والمجازر والتدمير ومحو التاريخ والجغرافية والبشر والحجر، وبكل الأسلحة التي تقع تحت يده كما فعل النظام السوري تجاه سورية أرضاً وشعباً طوال سنتين وخمسة شهور، تحت سمع العالم المتحضر وبصره، ولم يحدث أن تواطأ الغرب والشرق على شعب ووقفوا عاجزين أو غير مبالين كما نرى في الحالة السورية اليوم، ولم يحصل أن نظاماً استخدم أسلحة الدمار الشامل وعلى نطاق واسع ضد شعبه كما فعل بشار أسد والعصابة المحيطة به، في الغوطتين ومناطق سورية أخرى أودت بحياة ألوف، غالبيتهم من الأطفال والنساء!! بالرغم من أن رئيس أكبر دولة في العالم(أمريكا) قد أخذ على عاتقه مسؤولية التدخل العسكري في سورية إن لجأ نظام بشار إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في صراعه، وهو الخط الأحمر الأوباماوي الذي يتذكره الناس جميعاً وجيداً، وحذّر بشاراً من تجاوزه، فلما تجاوزه بشار واستخف به وبصاحبه واستخدم هذه الأسلحة بكل وقاحة وتحدٍّ ولم يلق الرد المناسب من صاحب الخط الأحمر أدرك العالمون أن المعنيّ بحماية أوباما هو "إسرائيل" وليس غيره، أما الشعب السوري فلا خطوط حمر أو صفر أو رمادية أمام بشار!!
لقد ركّز الكتّاب والمحللون في مقالاتهم وتحليلاتهم، والفضائيات والإذاعات والصحف ووكالات الأنباء ومواقع الإنترنت على خطوط أوباما الملونة، لاسيما خطه الأحمر بُعيد مجازر الغوطة، وكيف أن أوباما قد رفع من نبرة صوته، تابعه في هذا الصخب والضجيج تابعه رئيس وزراء بريطانيا وغيره، هذا الصخب المتناسب مع أصوات ذوي الضحايا والمناداة بصوت عال بضرورة وضع نهاية  لمأساة القرن في سورية، حتى ظن كثير من المراقبين أن ساعات بشار أصبحت معدودة، وأن رحيله في حكم المؤكد، ولم يدروا أن هذه البعبعة والجعجعة لا تعدو أن تكون لتهدئة النفوس والخواطر، حتى إذا ذاب الثلج وبان المرج رأينا التابع يلحس كلامه في غمضة عين، متترساً برفض مجلس العموم، ورأينا التابع يلحس هو الآخر كلامه ولكن ببطء أشد من بطء التابع، طالباً من الهيئة التشريعية في بلاده دراسة الموضوع "على أقل من مهله"، فحدد يوم التاسع من سبتمبر(أيلول) موعداً للاجتماع، ولا ندري كم سيطول هذا الاجتماع، وعن ماذا يتمخض، وإن كنا نتصور نتيجة مماثلة للنتيجة التي تمخض عنها اجتماع مجلس العموم البريطاني!! ولنا أن نتصور المدة الواقعة بين تاريخ وقوع مجزرة الغوطة(21آب ــ أوغسطس) وتاريخ دراسة الكونغرس الأمريكي للقضية (9 أيلول ـ سبتمبر)، أي نحو ثلاثة أسابيع، هذه الفترة الطويلة جداً الممنوحة لبشار ليتدبر أمره ويتخذ الخطط الدفاعية ويُجري حركة مناقلات واسعة وإعادة تموضع وانتشار لقواته وآلته التدميرية، ويرتكب المزيد من المجازر والتدمير في سورية، ويتخذ من المدنيين دروعاً بشرية ومن المناطق السكنية مقرات مخفية لقواته وأسلحته.
لم يكن الشعب السوري في أي يوم من أيام الثورة ينتظر الخلاص على يد كائن من كان، ولم يدر في خلده أن يكون المجتمع الدولي بهذه التفاهة والازدواجية في المعايير، ولم يكن المجتمع الدولي يتصور أن يكون تصميم الشعب السوري على انتزاع حريته من هذا النظام بهذه الشجاعة وبهذا الإصرار مهما ارتفعت فاتورة الدم والدمع، ولم يكن أعداء الشعب السوري العلانيون والسريون يتصورون أن يضعف نظام بشار ويترنح تحت ضربات الثوار الميامين، لقد فضحت الثورة السورية أطرافاً وعرّت جهات ودولاً لولاها ما انفضحت وانكشفت، لقد عرفوا الصديق الصدوق من الدعيّ التافه، ولم يعد يهمّ من الخطوط الأمريكية والإيرانية ألوانها ـ مثلما لا تعني لأصحابها شيئاً، وأصبح هذا الشعب أكثر قناعة بصواب الشعار الذي رفعه منذ الأيام الأولى لثورته " ما لنا غيرك يا الله"، وأن النصر يصنعه الأبطال الأشاوس بدمهم وعرقهم لا في القاعات المكيفة أو في الكواليس المظلمة في واشنطن أو لندن أو طهران أو موسكو...
*القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية.
للتواصل:
kurdsouria@gmail.com