الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العودة إلى حمص’ أنسنة الثورة السورية

العودة إلى حمص’ أنسنة الثورة السورية

08.03.2014
أحمد صلال


القدس العربي
الجمعة 7/3/2014
باريس ـ ‘القدس العربي’: الفيلم الوثائقي ‘العودة إلى حمص’ للمخرج السوري طلال ديركي، شريط بصري عن الثورة السورية، بل هو أكثر من ذلك، هو العبث الحالم بحياة أفضل ملؤها الكرامة والعزة.
ترصد كاميرا المخرج ديركي يوميات الثورة السورية في مدينة حمص ومراحل تطورها من السلمية إلى الكفاح المسلح، عبر زمن الشخصيات، شخصية عبد الباسط الساروت، حارس مرمى منتخب سوريا للشباب وأبرز ناشطي الحراك السلمي فيها، ومغني المظاهرات، وحامل السلاح للدفاع عنها، أسامة الحمصي أحد أبرز الناشطين الإعلاميين.
الفيلم الذي ابتعد عن التقريري والأيديولوجي، قدم لغة بصرية عالية الحساسية تلاحق الساروت والحمصي، تتنامى الصورة البصرية غير محتاجة حتى لتعليق شخوصها والمخرج، كوادر إخراجية فذة تتحدث عن كل شيء، أنسنة للحياة وسط ركام الأبنية المدمرة في مدينة حمص، حيث لا حاجة للحديث عن إجرام النظام، نشرات الأخبار قامت بالمهمة والعالم لا يريد الرؤية أو السمع، هنا الكاميرا تحفر في فكرة العبث من الموت بلغة ساخرة مرةً، ومرة نجد الساروت يبكي، هنا الإقناع المرضي حيث لا صورة غير واقعية ولا زيف، كل شيء حقيقي، الساروت يغني ويحفر قبراً لصديقة ويخاف ولا يخاف، عبر لغة بصرية سحرية.
الفيلم عرضته قناة ‘آرتي’ الفرنسية – الألمانية مساء الثلاثاء الفائت، حيث لا يمكن أن نجد ملاحظات نقدية في منحى سلبي تجاه المنتج البصري، ويمكن القول: ان فيلم ‘العودة إلى حمص’ الفيلم الوثائقي السوري الأول، الذي استطاع التثاقف فنياً عبر الصورة مع المتلقي الغربي، وتقديم صورة جد حسنة عن الثورة السورية، عبر صورة الساروت، القائد الشعبي المتمرد على كل شيء، الرجل الذي يتحدى دبابات النظام وطائراته ولا يخشاها يحلم أن يحرر مدينته من التنكيل والقتل عبر حرب المدن وحفر الأنفاق مع مجموعة قليلة من الرجال، استشهد غالبيتهم.
الفيلم بدا حريصاً وعبر المونتاج السريع والشيق والحذق من إيصال أفكار عن زيف دفع النظام بوجود مؤامرة عليه ومواجهته للإرهاب، وبواسطة مرتكزات فنية بحتة، ويلغي فكرة الصراع وديمومة الحرب من خلال البحث عن السلام والتعايش مع الناس، حيث الثورة لا تلغي أحدا، وحاجة الإنسان للإنسان تظهر جليةً واضحةً من خلال العلاقة الحميمة التي تربط الساروت برفيقه أسامة، الذي أعتقل على احد حواجز النظام وانقطعت أخباره، ولكن ثورته وثورة صديقه ما زالت مستمرة.
الفيلم يبتعد عن عناصر السياسة كما تحدثنا في موطن سابق، ويقترب من عناصر الأنسنة، قد تكون مشاهد الساروت مع أمه وعائلته عبر حوارات تنم عن أسباب كل هذه القيمة الأخلاقية التي يحملها هذا الرجل، حيث لا تبرير ولا مسوغات، والقضايا الكبرى يعبر عنها بلغة بسيطة، تذكرنا بشخوص غسان كنفاني: الوطن ببساطة هو كل ما يربطنا بهذه الرقعة الجغرافية.
الفيلم ينتصر لحمص عبر فارسها النبيل، الذي ينتصر بدوره للأخلاق والإنسان ويعليها على أي شيء آخر، ويقدسها إلى درجة استسهال الموت في سبيلها، الساروت وبعد إصابته يرقد في المتشفى الميداني يبكي من مات لا يخاف من الموت بقدر ما يخاف أن تضيع حيوات من ماتوا عبثاً.
لا أبالغ حينما أقول ان فيلم ‘العودة إلى حمص’ لطلال ديركي، فتح غير مسبوق بالسينما الوثائقية السورية، ليس من منحى حصوله على جائزة ‘سندانس الأمريكية كأفضل فيلم وثائقي دولي، وهي أهم جائزة عالمية عن هذا النوع، ولكن هناك تنويعات جمالية لا حصر، حيث سيرة ثورة عبر سيرة شخوصها أمثال الساروت، ولكن سيرة لا تتحرج من ضعف فارسها النبيل، سيرة نقدية تتماشى مع قيم الحرية التي خرجت الثورة من مطالبةً بها.