الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الغارتان الاسرائيليتان قصفتا دمشق لكن هدفهما إيران

الغارتان الاسرائيليتان قصفتا دمشق لكن هدفهما إيران

09.05.2013
رندى حيدر

تنفيذ لسياسة "الخطوط الحمر" ونموذج لتحرك أطلسي محتمل
النهار
الخميس 9/5/2013
 طرحت الغارتان الجويتان اللتان شنهما سلاح الجو الإسرائيلي على مواقع عسكرية قرب العاصمة السورية سؤالاً أساسياً هو: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة  من التدخل العسكري الإسرائيلي في النزاع السوري، وما انعكاسات ذلك على الصراع الدائر في سوريا وعلى لبنان؟
وفور حصول الغارتين اعتمدت إسرائيل سياسة التعتيم الاعلامي، ورفضت الاعتراف رسمياً بمسؤوليتها عن هاتين الغارتين، وامتنع أي مسؤول إسرائيلي عن التطرق علناً الى الموضوع، واصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على القيام برحلته المقررة الى الصين كي يثبت انه مطمئن الى الوضع الامني في بلاده. وتكاثرت الاشارات الإسرائيلية غير المباشرة الى ان إسرائيل ليست في صدد التصعيد مع سوريا، ولا تنوي التدخل في الحرب الدائرة فيها، وان ما جرى ليس بداية عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق.
وتحدثت الصحف الإسرائيلية عن رسائل تطمين بعثت بها إسرائيل عبر قنوات ديبلوماسية أميركية وروسية إلى كل من إيران والرئيس بشار الأسد، وشددت فيها على انها لا تنوي التدخل في الحرب الدائرة في سوريا ولا مساعدة الثوار على اطاحة رئيسها، وانما الهم الاساسي بالنسبة اليها منع انتقال الأسلحة المتطورة من سوريا الى "حزب الله".
وأوردت صحيفة "هآرتس"  في افتتاحيتها قبل أيام ان ما حدث يدخل في اطار سياسة معروفة تنتهجها إسرائيل منذ 2006، وهي قائمة على "العمليات المركزة والمحدودة التي ينفذها سلاحا البحر والجو ضد أهداف معينة لمواجهة خطر طارئ، ومن دون لفت الكثير من الانتباه، مع رفض إسرائيل الاعتراف رسمياً بمسؤوليتها عما حدث". وكل هذا يعطي انطباعاً واضحاً ان إسرائيل لا تنوي توسيع نطاق عملياتها العسكرية وان لا داعي للقلق.
 
 
أهداف القصف
ولكن على رغم ذلك، فإن الغارتين الاخيرتين اختلفتا عما سبقهما في الماضي، وبدا انهما تندرجان في اطار خطة عمليات عسكرية وضعها الجيش الإسرائيلي لمواجهة التطورات في الوضع السوري وتحقيق اكثر من هدف في وقت واحد. فقد ارادت إسرائيل ان تثبت قدرتها على الصعيد الاستخباري وعلى جمع المعلومات والتسلل الى قلب سوريا. فقد نقل المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" عن مصادر استخبارية غربية أن شحنة الصواريخ المستهدفة كانت قد وصلت إلى سوريا بالطائرات قبل أسبوع فقط، ووزعت على عدد من المواقع تحضيراً لتهريبها الى لبنان.
عسكرياً، اظهرت الغارتان قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على اختراق الدفاعات الجوية السورية، وبذلك دحضت التحذيرات الصادرة عن رئيس هيئة الاركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي والمتعلقة بقوة هذه الدفاعات الجوية. فالطائرات الإسرائيلية لم تخرق المجال الجوي السوري مرة واحدة وإنما مرتين، وضربت اهدافها من غير ان يعترضها احد. كما اختبرت إسرائيل في غارتيها قدرتها على تفجير مخازن سلاح موجودة تحت الأرض، وفي هذا رسالة واضحة الى إيران بأنها تملك سلاحاً قادراً على تدمير المنشآت النووية الإيرانية الموجودة تحت الأرض.
على الصعيد السياسي، أجمع أكثر من معلق إسرائيلي على ان الغارتين رسالة موجهة الى إيران خصوصاً و"حزب الله" بضرورة عدم تخطي ما تعتبره إسرائيل "خطاً أحمر"، بنقل السلاح الإيراني المتطور الذي ترى إسرائيل انه "يخلّ بالتوازن" الى أيدي "حزب الله". كما انهما اشارة الى رفض إسرائيل انتقال السلاح غير التقليدي الى ايدي الثوار السوريين.
 
التنسيق مع الأميركيين
وعلى رغم التكتم الإسرائيلي على العملية، فقد تحدث أكثر من صحافي إسرائيلي عن تنسيق كامل بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل القيام بالغارتين. ولمح بعضهم الى ان الأميركيين علموا بالأمر قبل حصوله، والدليل على ذلك التأييد الواسع للغارتين في الولايات المتحدة. وذهب بعض المعلقين الإسرائيليين الى ما هو أبعد من ذلك ليقول إن التحرك الإسرائيلي ضد سوريا عكس التقاطع في المصالح الأميركية والإسرائيلية هناك. هذا كان رأي المعلق في صحيفة "إسرائيل اليوم" أبرهام بن تسفي، الذي قال إن إسرائيل أثبتت انها الذراع العسكرية الطويلة للولايات المتحدة، وانها تستطيع ان تتحرك في الاماكن التي قد تجد الولايات المتحدة صعوبة في التحرك مباشرة فيها. ولم يستبعد الكاتب أن تشكل الغارتان نموذجاً لتحرك عسكري مستقبلي لقوات حلف شمال الأطلسي، أي تبني أسلوب الغارات الجوية المركزة التي تستهدف قواعد عسكرية ولا توقع ضحايا بين المدنيين. واعتبر ان إسرائيل وجهت نيابة عن الولايات المتحدة والدول الغربية رسالة حادة الى الرئيس الأسد رداً على استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه.
 
التخوف من رد سوري
بيد ان رسائل التطمين التي بعثت بها إسرائيل في اتجاه سوريا لم يمنعها من التحسب لاحتمال رد سوري على القصف رغم ان غالبية المعلقين الإسرائيليين استبعدت حصوله. وفي الواقع نشرت إسرائيل فور حصول الغارتين بطاريات "القبة الحديد" لاعتراض الصواريخ في كل من صفد وحيفا. وعكست المتابعة الدقيقة للاعلام الإسرائيلي لكل ما يصدر من تصريحات عن المسؤولين السوريين والإيرانيين قلقاً إسرائيلياً من رد من سوريا او من "حزب الله". ورجحت التقديرات أن الرئيس الأسد يفضل عدم الانجرار الى مواجهة الآن مع إسرائيل لأسباب عدة، ولكن من الصعب تقدير ما سيكون موقفه اذا ضغطت عليه إيران.
وشكّل التخوف من رد سوري محور انتقادات إسرائيلية، خصوصاً ان هذا الرد سيستهدف بصورة أساسية الجبهة الداخلية الإسرائيلية. فانتقد بعض الصحافيين الإسرائيليين عدم اطلاع الحكومة الإسرائيلية الجمهور الإسرائيلي على حقيقة ما يجري على الجبهة الشمالية، على رغم ان قرارها الاغارة على سوريا يعرّض في الدرجة الأولى  حياة المدنيين الإسرائيليين للخطر.
الأمر المؤكد اليوم ان احداً في إسرائيل لا يرغب في التورط في الحرب الداخلية السورية ولا في الانزلاق الى حرب اقليمية، لكن ما حدث يشير الى ان سياسة الخطوط الحمر التي وضعتها منذ بداية الثورة السورية ضد تهريب السلاح السوري المتطور الى "حزب الله" في لبنان اتخذت منحى أكثر حدة وخطورة. ومع ذلك، فان اي تصعيد جديد للوضع سيكون هذه المرة رهناً بردة فعل كل من إيران وسوريا و"حزب الله".