الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الغضب في الشرق الأوسط والاستراتيجية الأميركية الجديدة

الغضب في الشرق الأوسط والاستراتيجية الأميركية الجديدة

31.10.2013
د. عفيف رزق



المستقبل
الاربعاء 30/10/2013
في مطلع العام 2012 أعلن الرئيس الاميركي باراك أوباما الخطوط العامة للإستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة للعقد القادم، حيث اشار الى إنسحاب القوات الاميركية من العراق، والبدء بإنسحاب هذه القوات من أفغانستان. استناداَ الى هذه المعطيات سيتاح للجيش الاميركي، كقوة عسكرية عالمية، وحفاظاَ على الأمن والإستقرار الدوليين ستعيد الولايات المتحدة إنتشار قواتها العسكرية في منطقة آسيا - الهادئ لإعادة التوازن فيها وأطلق على هذه الخطة "المحور". لقد شرح وزير الدفاع الاميركي " ليون بانيتا "مفهوم" إعادة التوازن "بأن القوات الاميركية منتشرة حالياً مناصفة في المحيط الاطلسي والمحيط الهادئ، والإنتشار الجديد منذ الآن وحتى العام 2020 سيصبح على الشكل التالي: 60 في المئة في منطقة آسيا ـ الهادئ و40 في المئة في الاطلسي. والملاحظ ان لا الرئيس الاميركي ولا وزير دفاعه اتى على ذكر منطقة الشرق الاوسط... في النصف الثاني من كانون الثاني الماضي عقد الرئيس الاميركي مؤتمراَ صحافياَ تحدث فيه عما تشهده الولايات المتحدة وكثير من البلدان الأخرى من تطور مهم في صناعة الطاقة بعد الوصول الى التحكم بالتكنولوجيا المتطورة لإستخراج "الغاز الصخري" المتواجد بكميات هائلة في باطن الارض الاميركية. لقد لاحظ المراقبون انه في هذا المؤتمر إستخدم أوباما الصراحة والحزم فيما خص منطقة الشرق الاوسط بقوله: "هذا على ما أعتقده يُتيح لنا حرية أكبر للتحدث مع الشرق الاوسط الذي نُريده، والعالم الذي نود ان نراه"؛ وكان متفائلاَ أيضاَ فيما خص " الغاز الصخري"، اذ حسب التقرير الذي قدمه المجلس الوطني للبترول في الولايات المتحدة، فإن نسبة استخراج الغاز الصخري كان عام 2000 لا يُشكل سوى 2 في المئة من انتاج الولايات المتحدة للغاز العادي، واصبح عام 2011 حوالى 37 في المئة. ان هذا يعني، برأي الإخصائيين ان اميركا اصبحت على قاب قوسين او أدنى من الإكتفاء الذاتي من هذه المادة "الغاز الصخري"، وقد عزز هذا الرأي التقرير الذي اصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذي جاء فيه ان الولايات المتحدة ستصبح عام 2015 الدولة الاولى في العالم في انتاج الغازوستحل محل روسيا على هذا الصعيد.
ان السؤال الذي يجب ان يُطرح هو: كيف تعامل المعنيون مع هاتين الخطوتين الاستراتيجيتين للرئيس الاميركي؟
اولاً: وصف احد المحللين السياسيين عملية إعادة إنتشار الجيوش الاميركية بالنقلة النوعية للتصور الاستراتيجي للرئيس الاميركي بإعطائه الاولوية للتركيز على المحيط الهادئ تحت عنوان "المحور"؛ ونتج عن ذلك نوعين من ردود الفعل في منطقة الشرق الاوسط، التي لم تُذكر في استراتيجية إعادة الانتشار، فمن جهة، قلق قوى ودول من ترك اميركا للشرق الاوسط للقوى الاقليمية المتنافسة على النفوذ في العالم العربي، ومن جهة، ثانية ارتياح قوى ودول الى شرق اوسط خال من الهيمنة الاميركية. اما في دول منطقة آسيا ـ الهادئ فقد سادت اجواء الحراك المتوتر والاضطراب، وقد شبه احد المحللين هذه الحالة بـ"حفلة جنون" أو "موجة مشتريات" تؤدي الى سباق تسلح مدمر، كما تخوف وزير الدفاع الهندي. فالدول الحليفة للولايات المتحدة اخذت بتعزيز قواتها، وخصوصاَ البحرية لان النزاعات البينية الرئيسية هي في الميدان البحري؛ والدول المعادية لجأت، هي الأخرى، الى تعزيز قواتها البحرية استعداداَ للقادم الاميركي الذي سيعمل على تعزيز الثوابت مع الحلفاء واتخاذ مواقف الى جانب هؤلاء اذا ما نشب النزاع مع القوة الصينية المتصاعدة والراغبة في مد نفوذها وسيطرتها على جزر متنازع عليها هي إما مواقع استراتيجية، وإما غنية بالثروات الطبيعية كالغاز والبترول وما شابه...
ثانياَ : ان الثروة الغازية التي اخذت الولايات المتحدة تستغلها بعد التحكم بالتكنولوجية الجديدة لإستثمارها من باطن الارض ستشكل، ولا شك، عامل تنافس لما تنتجه بعض البلدان العربية من هذه المادة. لقد نتج عن هذا الحراك سيناريوهات عديدة، للمرحلة القادمة، منها ما جاء على لسان رئيس المعهد الاميركي للبترول "جاك جيرارد" الذي قال إن الولايات المتحدة " امام نقطة تحول عظيمة في تاريخ الامة سوف تُحول محور الطاقة بإتجاه الغرب "، تبعاَلذلك ستتغير العلاقات الدولية بتغير المصالح الاقتصادية. واذا كان من اولويات واشنطن، انسجاماَ مع مبدأ الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر لعام 1980، وما زال معمولاَبه في ايامنا الراهنة، إستخدام القوةالعسكرية للدفاع عن مصالحها في الخليج العربي عند الضرورة ؛وتبعاَ للتغيرات الطارئة وإتجاه الرياح الاقتصادية.. قررت الولايات المتحدة سحب قواتها العاملة في المنطقة، فمن سيتولى حماية خطوط إمداد الطاقة، علماَ ان نصف استهلاك آسيا - الهادئ يأتي من هذه المنطقة ؟ استناداَ للسيناريو الآنف الذكر، ستتقدم الصين، التي لا تملك قوة بحرية قادرة على الحماية، وتطلب من واشنطن القيام بهذه المهمة مقابل لجوء بكين الى حل نزاعاتها المتعلقة بالحدود البحرية مع حلفاء اميركا سلمياَ مع ما يتناسب ومصالح هؤلاء الحلفاء؟!
ثالثاَ : لقد سيطر الغضب على منطقة الشرق من، اولاَ البدء بتنفيذ هذه الخطة دون التشاور مع بلدان الشرق الاوسط، وثانياَ عدم مراعاة مصالح هذه البلدان؟!... هل كان يعتقد هنري كيسنجر، الذي يمتلك معرفة عميقة بالسياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط، عندما قال: " اذا كانت عداوة اميركا كارثة، فإن صداقتها مميتة " ان الوضع في منطقة الشرق الاوسط، في هذه الايام، سيتطابق مع مضمون هذا القول الى هذا الحد، وان ادارة الرئيس اوباما، كما اضاف احد المحللين، هي الادارة الأكثر افتقاداَللحساسية تجاه مصالح حلفائها. لقد ظهر الغضب الحاد علناَ لدى حلفاء اميركا، ويشهد على ذلك الانتقاد العلني للسياسة الاميركية المتبعة، ليس لدى خصوم اميركا في المنطقة، بل من قبل اقرب الحلفاء لواشنطن، علماَ ان مسؤولية كبرى تقع على عاتق قادة هؤلاء الحلفاء الذين لم يحركوا ساكناَ عندما اعلن اوباما عن استراتيجيته الجديدة وتناسى منطقة الشرق الاوسط، وعندما اعلن موقفه من هذه المنطقة علناَ وبحدة غير معهودة... ان حالة الغضب، حتى ولو اتت متأخرة هي بمثابة رمي الكرة في الملعب الاميركي؟!...