الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الغنوشي والأزمة السورية

الغنوشي والأزمة السورية

04.10.2015
د. محمد مصطفى علوش



الشرق القطرية
السبت 3/10/2015
تحولات عميقة في المواقف والتصريحات يشهدها العالم الدولي والإقليمي تجاه الأزمة السورية وقد جاء التدخل الروسي ليقلب التوازنات ويعري التفاهمات التي كانت تجري تحت الطاولة بين الولايات المتحدة والغرب من ناحية وبين الروس من ناحية أخرى حول كيفية ايجاد مخرج للأزمة في سوريا. التكهنات حول أسباب هذه التحولات عديدة، منها ما هو مرتبط بالتطورات الميدانية على الأرض السورية سواء لناحية حماية الجيش السوري من الإنهيار على ما تقول المعارضة أو أن تقدم النظام في عدة مناطق فرض ليونة على المواقف الغربية التي لم تعد تمانع في بقاء بشار الأسد على رأس السلطة لفترة انتقالية يعلم الله وحده متى تنتهي، هذا إذا كان هناك فترة انتقالية أصلاً. هذا التغير في المواقف الدولية يرجعها البعض لتزايد موجات التطرف الديني التي بدأت تداعياتها تهدد المصالح الدولية عموماً فضلا عن تدفق اللاجئين على الدول الأوروبية مذكرهم بتاريخ الحربين العالميتين ومثيرا لقلقهم حول هويتهم الدينية المسيحية التي تميزت بها أوروبا عبر تاريخها. المحير في الأمر، أن التبدل في التصريحات لم يعد يقتصر على المواقف السياسية للدول الغربية وربما الإقليمية لاحقاً، بل وصلت العدوى – على ما يبدو - إلى الحركات الإسلامية التي تعاظم نفوذها وحضورها بعد الإحتجاجات الشعبية التي ضربت العالم العربي مطلع العام ألفين وأحد عشر وتصدرت المشهد السياسي في نظم ما بعد الثورات قبل أن تفاجئها الثورات المضادة. يمثل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة طليعة هذا التحول. حيث دعا الغنوشي في تصريح ل "قدس برس" الفرقاء في الدول العربية والإسلامية إلى "نبذ خطاب العداوة والبغضاء والتواضع على نهج المصالحة والإخاء"، مؤكداً أهلية تونس لاحتضان مؤتمر مصالحة عربي بين كافة المتخاصمين. ثم أعقب كلامه في تصريح آخر ل" آخر خبر أونلاين" في 25 سبتمبر قائلاً: إنه لا يمانع أن يشارك النظام السوري في هذا المؤتمر وأن الدعوة مفتوحة أمام الجميع وأنه لا يملك عداوة شخصية مع النظام لكنه لا يريد الاقتتال والعنف وفقاً لما نقل عنه الموقع المذكور.
لم يكن لهذه التصريحات أهمية، أو احتمال الخطأ في النقل وارد لولا أن تصريحات صدرت من مدير مكتب الشيخ راشد الغنوشي زبير الشهودي لصحيفة المغرب التونسية في 29 سبتمبر، تؤكد أن الشيخ الغنوشي التقى مع قيادات إيرانية حاملاً اليها مبادرة تهدف إلى الوصول لحل سياسي يحقن الدماء في سوريا، ملمحاً أن الغنوشي سوق لفكرته لدى أنظمة ودول تربطها علاقات جيدة مع حركة النهضة دون أن يسمي هذه الدول والأنظمة، تاركا التأويل يصيب دولاً محورية في المنطقة مثل تركيا خصوصا وأن مواقف الحركة تتناسق مع موقف تركيا في كل ما يتعلق بالأزمة السورية منذ انطلاقها.
يجادل البعض أن الشيخ الغنوشي يرى أن بلاده قدّمت مآثر عظمى في التوافق بين المتخاصمين، بما يجعلها مؤهلة لأن تكون ساحة لقاء وحوار بين المختلفين إذا توفرت النوايا الصادقة والعزائم، كما أن التجربة التونسية تملك من القوة والتميز ما يجعل امكانية تكرارها أو نقلها إلى أماكن النزاع الأخرى قائمة وملحة. ومن هنا جاءت دعوة الغنوشي إلى مؤتمر مصالحة عربية عربية بين المتخاصمين قائمة على المصارحة، لكن أن يكون النظام السوري عضوا أساسيا على طاولة المؤتمر. فهذا أمر لم يكن يخطر ببال أحد أن يدعو اليه الشيخ الغنوشي. فهل هي تحولات عميقة في قراءة الغنوشي للواقع العربي؟ وهل تؤسس مواقفه لمراجعات فكرية وسياسية داخل حركات الإسلام السياسي على غرار المراجعات التي اجرتها جماعات إسلامية في مصر سابقا؟ أم أن الغنوشي أدرك أن المعارضة في سوريا فشلت في توحيد مواقفها وأن المراهنة على الحسم العسكري لم يعد منطقياً وأن التحرك باتجاه حجز مقعد للاخوان في سوريا على طاولة الحل السياسي السوري تتطلب مقاربة مختلفة عما سبق؟!
وسواء اتفقت مع الشيخ الغنوشي في مواقفه الجريئة أو اختلفت لا يسعك سوى أن تحترم تجربة الرجل الذي انقذت تونس من مخطط شبيه بالذي وقعت فيه مصر ولم تخرج منه إلى الآن. ولا ندري إلى اين قد تمضي مواقف الشيخ إذا بالفعل صدرت عنه هذه التصريحات.