الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القرار السوري بين التفريط وإعادة البناء

القرار السوري بين التفريط وإعادة البناء

11.05.2013
فايز سارة

المستقبل
السبت 11/5/2013
لعل الابرز في محنة السوريين الراهنة، هو الدمار الذي لحق بالقرار الوطني المستقل، ووضع كهذا كان نتيجة حتمية، لما آلت اليه سياسة النظام السوري وممارساته في مواجهة الثورة ومطالبها في الحرية والكرامة، وماكان لذلك ان يستمر ويتصاعد، من دون ان يلجأ النظام الى الاستعانة بحلفائه الاقليميين والدوليين، فيفتح امامهم بوابة تدخلاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية في الشأن السوري، وهكذا اصبحت روسيا وايران وحزب الله وآخرون اصحاب تأثير في القرارات التي يتخذها النظام في معظم المجالات وفي العديد من المستويات، وقد استقوى النظام بتحالفاته الاقليمية والدولية بمافي ذلك الاستعانة بقدرات واسلحة وخبراء من روسيا وايران وكوريا الشمالية وجنود من حزب الله ومليشيات عراقية.
وترك التطور السابق اثره على قوى المعارضة وسلوكياتها، وقد ذهب قسم منها تحت ضغط العنف الدموي الى طلب المساعدة من المجتمع الدولي بدوله ومؤسساته لوقف القتل والدمار ومواجهة اصرار النظام على العنف والارهاب من جهة، فيما ذهبت قوى اخرى في المعارضة للمطالبة بتدخلات عسكرية وسياسية في اطار معالجة الوضع السوري، وأخذ البلاد الى حل او تسوية سياسية.
واذ ابدت قوى اقليمية ودولية تعاطفاً مع ثورة الشعب السوري في مواجهة سياسات النظام، فان ذلك الى جانب موقف بعض المعارضة، شكلا مدخلاً لتدخلات اقليمية ودولية في الشأن السوري لمساعدة الشعب في محنته، ودعماً للمعارضة في نضالها ضد النظام، فأخذت تظهر تدخلات بعض الدول العربية ومنها تدخلات قطر والمملكة العربية السعودية الى جانب تركيا وبعض الدول الغربية ومنها فرنسا والولايات المتحدة. ومع تطور الصراع المسلح بين قوى النظام وقوى المعارضة المسلحة، صارت التدخلات الاقليمية والدولية في شؤون المعارضة والثورة أكثر حضوراً وتأثيراً، وامتدت الى مختلف الجوانب السياسية والعسكرية.
ورغم اهمية الدور الذي لعبه النظام في تدمير القرار السوري المستقل من خلال فتح ابواب التدخلات الخارجية في الشؤون السورية، وما تركته ظروف وممارسات بعض اطراف في المعارضة السياسية والمسلحة من اثر آخر على القرار السوري في السكوت عن التدخلات الاجنبية في شؤون الثورة والمعارضة وتأييدها، فان حالة الفوضى التي رافقت تطورات الازمة السورية، سمحت بنشوء هامش عملي لتدخلات اجنبية من نوع آخر، تمت بمعزل عن ارادة السلطة والمعارضة كلاهما، واثرت في المحصلة على امكانية وجود قرار سوري مستقل، وهذا مايمكن ملاحظته في الدور الذي يمثله تسلل متطوعين اجانب وعرب الى البلاد، وقيامهم بتشكيل جماعات مسلحة تخصهم، او لجهة قيامهم بالسيطرة على جماعات مسلحة محلية، وجعلها تسير تحت امرتهم على نحو ما هو عليه حال بعض تنظيمات جبهة النصرة لبلاد الشام وشقيقاتها.
وفي مواجهة التدمير الذي اصاب القرار الوطني، فان اعادة بناء القرار الوطني المستقل وتأهيله، أصبح من اهم الضرورات الوطنية، وهذا يتطلب اجراءات علاجية وضرورية، والخطوة الاولى في هذا السياق، هي السعي العملي لوقف التدخلات الخارجية في الشؤون السورية اياً يكن مصدرها ومهما كان مستواها واياً كانت نوعيتها، عبر سحب الشرعية من تلك التدخلات بغض النظر عن خلفياتها، واعادة تأكيد، ان القرار السوري المستقل هو ضرورة وبخاصة في المرحلة الراهنة، وانه ينبغي اعادة بناء القرار الوطني المستقل على قواعد جديدة وثابته، تأخذ بعين الاعتبار ما صار اليه الوضع السوري في الواقع الحالي.
ولايحتاج الى تأكيد في هذا المجال، ان النظام بسبب من سياساته، وتفريطه بالقرار الوطني المستقل، وفتح ابواب البلاد امام شتى التدخلات الاجنبية، وقتل السوريين وتهجيرهم وتدمير قدراتهم، فانه غير مؤهل للعب اي دور في استعادة القرار الوطني المستقل او اعادة تأهيله، مما يجعل امر اسقاطه وتغييره، مدخلاً اساسياً في استعادة القرار الوطني المستقل.
ولان المعارضة بتوجهاتها وجماعاتها واهدافها في موقع مختلف في موضوع القرار الوطني المستقل، والخطوة الاولى لمسارها في استعادة ذلك القرار المضي في طريق اسقاط النظام بالتزامن مع اجراء تبدلات في سياسات وممارسات بعض المعارضة السياسية والعسكرية اساسها اغلاق بوابة التدخلات الخارجية في الشؤون السورية، ولايحتاج الامر في هذا الجانب الى تأكيد ان القوى الاكثر جذرية في المعارضة، تتحمل القسط الاكبر في السعي الى وقف التدخلات والتوجه الى تكريس قرار سوري وطني مستقل.
ويطرح ماصار اليه القرار السوري في الوقت الراهن من تدهور، العودة الى الاسس العامة التي يبنى عليها القرار الوطني، والتي من ابرزها قيامه على اساس الشرعية، والتي هي شرعية وطنية، تعبر عنها المؤسسات والهياكل السياسية للدولة، وقد جعلت الحالة السورية الراهنة، المؤسسات العاملة في اطار الدولة السورية فاقدة لشرعيتها، وهي لم تعد تمثل مرجعية وطنية، يمكن الركون اليها والاعتماد عليها في موضوع القرار الوطني، وهو مايطرح ملامح الاسس، التي ينبغي توفيرها للاستناد اليها في موضوع القرار الوطني والابرز فيها والاهم:
- ان يبنى القرار الوطني وفق المصالح الاساسية للدولة والمجتمع، وليس مصالح السلطات الحاكمة التي هي سلطات متغيرة متبدلة، حتى وان تغولت على الدولة والمجتمع وسيطرت عليهما كما في الحالة السورية.
- ان يقوم على اساس من الشرعية الوطنية، التي بات تمثيلها محصوراً بالثورة. فلا قرار وطنياً خارج الشرعية الوطنية، التي ترسم قراراتها بالارتباط مع المصالح الاساسية للشعب، وليس بمصالح جماعات او فئات منه على نحو مايحصل حالياً.
-ان يقوم القرار بناء على معطيات ومعلومات صحيحة ودقيقة، تقدمها جهات موضوعية وموثوقة وامينة على المصالح الوطنية.
-ان تتولى رعايته وحمايته مؤسسات وهيئات امينة ومسؤولة ولها كل القدرة والامكانية على المتابعة والتقييم واتخاذ القرارات التي من شأنها الحفاظ على القرار الوطني.
غير ان الاسس السابقة، لا بد وان تستمد من بيئة حاضنة، توفر كل الاسس اللازمة لسياسة وطنية، يكون القرار الوطني احد تعبيراتها، والاهم في مواصفات تلك البيئة، هو اعتمادها مبدأ المواطنة باعتبارها الاساس الجامع للسوريين، وان كل الاعتبارات الاخرى من قومية ودينية ومناطقية، تقع تحت سقف المواطنة، وهي محكومة بها، والامر الثاني في مواصفات تلك البيئة، تأكيد السمة الديمقراطية للحياة العامة من خلال تأكيد ضرورة المشاركة الشعبية في الشأن العام على اوسع نطاق لخلق اسس مسؤولة للقرار الوطني والاستعداد للدفاع عنه. والامر الثالث، يكمن في تغليب المصلحة الوطنية على المصالح المباشرة للتكتلات والجماعات والشخصيات اياً تكن مكانتها واهميتها، والامر الرابع، اساسه توفير ارادة عامة داخل المجتمع للبحث عن المشتركات الكبرى في المجتمع، دون تجاهل وجود المشتركات الصغرى، والمقاربة بين الحالتين، طالما امكن المقاربة بينهما.