الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القرم" وسوريا و"روليت" روسيا

القرم" وسوريا و"روليت" روسيا

24.03.2014
خلود عبدالله الخميس


العرب القطرية
الاحد 23/3/2014
عندما تفكك الاتحاد السوفيتي في نهاية العام 1991، وبعد هزيمته في "أفغانستان"، وبعد أن خلعت الحرب الباردة معطفها لتستريح في أحضان الرأسمالية، لم يكن من المنطقي أن "يبتلع" السوفيات الطعم المر، ويصمت، لا بد من أن تكون سقطته وهزيمته من باب الكر والفر السياسي بعد الوجع العسكري. من اللامعقول أن يقبل ما حدث.
كيف يقبل قطب رئيس وله ثقل مواز للقطب الآخر، في ميزان القوى الدولية، والذي كان إحدى كفتيه أن يغادرها طوعاً؟
أن تتحول إمبراطوريته النووية، الترسانة البشرية، الأرض التي تخزن في باطنها الخيرات كلها، بقدرات الدولة تؤهلها للمنافسة للمقعد الأول في الكرة الأرضية بجانب الولايات المتحدة الأميركية، أن تلغيها الأخيرة وتجعلها نسياً منسياً وتتناثر ولاياتها حولها، وهي لا قوة لها على لملمة شعثها وشعثهم؟!
بالتأكيد قبل تلك الأثناء كانت أوروبا تعمل على اتحادها بتقية، حتى تم إعلانه باجتماع 28 دولة لتأسيس الاتحاد الأوروبي بناء على معاهدة ماسترخت الموقعة عام 1992، وهو نتاج معاهدة روما عام 1957 التي تعتبر نواة التكتل الاقتصادي الأوروبي، وبموجبها تأسست المجموعة الأوروبية الاقتصادية الأولى CEE والتي نصت على إنشاء سوق أوروبية مشتركة للاستفادة من منتوجات تلك الدول وتكوين تكتل اقتصادي وسياسي مندمج بينها، هذا الكيان الذي احتفل بنصف قرن من إطلاقه في 2007 الآن "الاتحاد الأوروبي".
الحقيقة أن ما يحدث اليوم من مزاحمة روسيا لأوروبا ولأميركا ما هو إلا صراع سلطة واستحواذ على الخيرات التي نملك في منطقة الشرق الأوسط منها ما يكفي لزعامة الكرة الأرضية بشرط أن تكون لنا السلطة على القرار والسيادة في المنهج السياسي، وإيجاد تكتل مضاد قادر على منافسة فكرة التكتلات السياسية والاقتصادية الدولية الراهنة.
وهذا تتضح تداعياته بعد ما يفوق العقدين، يعود الدب الروسي من بياته ليضع إملاءاته على خارطة المجتمع الدولي ويبدأها بتغيير خريطة بلاده. بضم بوتن شبه جزيرة القرم لروسيا!
ولا عجب فهي مفتاح روسيا لبحر أزف، والبحر الأسود، وبحر مرمرة، وبحر إيجة، والبحر المتوسط، كما تمتد شبه جزيرة القرم على خط بحري يصل لشواطئ طرطوس السورية.
أشار الخبراء في العاصمة الأوكرانية كييف إلى وجود كميات اقتصادية مهمة من الغاز والنفط مقابل سواحل شبه جزيرة القرم، وبينت إحصائيات أولية أن في هذه المنطقة ما يعادل 2 مليار مكعب من النفط الخام، وإن استثمرت ستغطي حاجات السوق المحلية الأوكرانية وتحررها من التبعية لروسيا على مدى أربعة عقود في الطاقة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية لسكان القرم، وهم التتار المسلمين، وقد صوت البرلمان الأوكراني قبل أيام على اعتبار التتار المسلمين هم السكان الأصليين للقرم، ولسكان القرم الأصليين بعد تاريخي مع تركيا نتناوله في مقال لاحق.
مشكلة المخزون النفطي أن موقعه في عمق بحري خارج قدرة الحكومة الأوكرانية، ما يتطلب الاستعانة بشركات أجنبية، وهذا الأمر مرفوض روسياً، كذلك التداخل (الروسي- الأوكراني) وما نتج عنه من فساد في الحكومة الموالية لروسيا وتدخل الأخيرة المستمر في الشأن الأوكراني وبسط نفوذ في الظل ثم الخروج للعلن على توجهها السياسي ووضعها تحت مجهر التبعية لها والابتعاد عن الاتحاد الأوروبي، كلها أسباب كافية للشركات المهتمة في استخراج النفط من السواحل قبالة القرم، والتي لديها التكنولوجيا للهروب والانتظار حتى تحسن الأوضاع وتشكيل بيئة مواتية للأعمال سياسياً.
شركة البحر الأسود للنفط والغاز وعلى مدى ما يفوق الثلاثة عقود ونصف لم تطور إلا %4 فقط من المخزون النفطي للمنطقة المذكورة ما يعتبر مؤشراً للسياسة الروسية المتبعة مع هذه المنطقة.
هل اتضحت الأهمية الجيوسياسية للقرم بالنسبة لروسيا؟ هي المدخل للشام ومنه للشرق الأوسط والخليج وعالمنا الإسلامي كله!
بوتن رغم أنه دكتاتور مغرور، إلا أن مروره بظروف شخصية سيئة مؤخراً تجعله غير أهل لاتخاذ قرارات خاصة مصيرية، فكيف بمصير دولة، ناهيك عن مصير عالم؟!
لا نستطيع عزل الحالة النفسية للإنسان عن سلوكه لأنها من صلب أسباب اتخاذ القرار، لذلك لا يعتد بطلاق الغضبان الفاقد للسيطرة على انفعالاته.
وبوتن منذ فترة يعاني من "اكتئاب الرفض- Rejection Depression" بعد أن طلقته زوجته التي رافقت مسيرته لأربعة عقود، ورغم قدرته، بسبب التدريب الرفيع المستوى على التحكم بلغة الجسد وعدم إظهار انفعالاته، إلا أن الواقع معروف، هو رجل مجروح ولا أسوأ من قرارات "الرجل المجروح"!
صفة واحدة مما سبق تكفي ليفقد بوتن بوجودها الصلاحية للحكم، فكيف بهم مجتمعين، والكارثة أنه يتحكم بمصائرنا عبر مقعد روسيا في مجلس الأمن!
المحزن في كل ما سبق، أننا أضعف من قتال حتى دب يحتضر وما زال ينتصر علينا، وهو في نزعاته الأخيرة، وأن قادتنا تركوا مصالحنا للعبة "روليت" روسية يقامر بها معتوه!