الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القضية السورية بعد مجزرة الكيماوي

القضية السورية بعد مجزرة الكيماوي

22.09.2013
فايز سارة


المستقبل
السبت 21/9/2013
رغم كل مايبدو من احداث ومؤشرات حول القضية السورية، فان مجزرة الغوطة احدثت تحولات كبيرة فيها، بحيث صارت القضية بعد مجزرة الغوطة مختلفة عما كانت قبلها، وهو تطور مهم يوازي حدث الثورة السورية، رغم انه في احد جوانبه هو تطور في هذه الثورة في السياق العام.
لقد عاشت ثورة السوريين قبل مجزرة الغوطة، حالة من المراوحة بالمكان، والجوهري في هذا الوضع، ان صراع الثورة مع النظام وصل الى مرحلة من توازن القوى الذي يجعل الصراع مستمرا ومتفاقما دون ان يقدر اي من طرفي الصراع على حسمه لصالحه. حيث الثورة مستمرة دون قدرة على تحقيق النصر لضعف قدراتها وتواضع مواقف مناصريها في المحيطين الاقليمي والدولي مع اصرار أكثرية السوريين بالمضي في الثورة الى اهدافها في اقامة نظام ديموقراطي بديل رغم ما اصابهم من خسائر، لادراكهم ان فاتورة بقاء النظام تفوق اي فاتورة للخلاص منه، فيما يصر النظام على المضي في حربه تصعيداً وتوسيعاً ضد الشعب على امل اعادة احكام قبضته على سوريا حتى لو تطلب الامر تقديم بعض التنازلات غير الجوهرية في اطار تسوية مناسبة، تدعمها وتعزز شروطها قوى محلية واقليمية ودولية تناصر النظام وتدعمه.
ان مجزرة السلاح الكيماوي في الغوطة، قلبت تلك المعادلة في ابعادها المحلية والخارجية. واذا كانت مظاهر انقلاب المعادلة في الداخل اقل وضوحاً لاسباب منها بطء المتغيرات المحلية واختلاط العوامل الايجابية بالسلبية، ومحدودية الامكانات المادية لدى قوى الثورة من الجيش الحر والحراك المدني، فان مظاهر الانقلاب في تجلياتها الخارجية اقليمياً ودولياً كانت اكثر وضوحاً واشد اثراً بحيث وضعت القضية السورية امام احتمالات جديدة لاول مرة منذ انطلاق الثورة في آذار من العام 2011.
والمتغير الاول والأهم، جاء في صحوة المجتمع الدولي على هول المجزرة رغم ان النظام قد بدأ هجماته الكيماوية قبل اربعة اشهر من مجزرة الغوطة الاخيرة، وكانت محصلتها اكثر من ثلاثين هجوماً كيماوياً في انحاء مختلفة من البلاد، لكنها كانت محدودة النتائج، واحاطت بها الالتباسات لجهة نفي النظام القيام بها، وقال مع أطراف خارجية مؤيدة له، انها من صنع المعارضة المسلحة او اطراف محسوبة عليها في اشارة الى جماعات التطرف الاسلامي، رغم ان مخابر وجهات علمية وسياسية دولية بينها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة اكدت حصولها، كما اكدت تقارير اعلامية وجهات سياسية مسؤولية النظام. وقد جاءت تحقيقات المفتشين الدوليين حول مجزرة الغوطة، لتؤكد في تقريرها وفق معطيات دقيقة تتعلق بالمواد الكيماوية وبتواتر الهجمات وتعدد المواقع المستهدفة والضحايا، ونوع الاسلحة الحاملة للمواد الكيماوية، والاماكن التي تم الاطلاق منها، انه تم استخدام الاسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل من قبل النظام، الامر الذي اعاد الموضوع الى واجهة الحدث الدولي بعد ان كانت المبادرة الروسية، ثم الاتفاق الروسي الاميركي حول نزع الاسلحة الكيماوية للنظام السوري، قد دفعا القضية السورية نحو الخلف.
وثمة متغير آخر طرأ على مواقف عدد من الدول العربية والاجنبية بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأكثرية دول الخليج العربية. اذ اتجهت نحو معاقبة النظام لاستخدامه السلاح الكيماوي في قتل السوريين عبر ضربات عسكرية، ولان هذا التوجه التبس بعد الاتفاق الروسي الاميركي، فقد عاد للصعود مجدداً في اعقاب تقرير المحققين الدوليين حول مجزرة الغوطة، بحيث عزز مساعي نزع السلاح النووي من ايد النظام من جهة والدفع الى معاقبته بضربات عسكرية ربما تكون اشد وأكثر اتساعاً، مما كان مقترحاً في السابق.
وللحق فان عدداً من الدول العربية بينها المملكة العربية السعودية، عززت من عدائها للنظام وتأييدها للمعارضة السورية مالياً وتسليحياً، ودعمها عملية عسكرية لمعاقبة النظام على ماقام به وقد جددت تلك الدول مواقفها بعد صدور تقرير المفتشين الدوليين مؤخراً.
لقد احدثت المجزرة، ثم تقريرها اللاحق، تحولاً ملموساً في مواقف القوى الاقليمية والدولية من القضية السورية، سواء لجهة داعمي النظام او المعترضين عليه. وكان الموقف الروسي الابرز في ذلك التحول خصوصاً لجهة اعلان عدم استعداد روسيا للدخول في حرب يكون هدفها ضرب النظام الحاكم، بل ان روسيا وفي سياق معالجة تداعيات المجزرة الكيماوية، ذهبت الى حد القول، ان الحكومة الانتقالية التي يمكن ان تنتج عن جينيف 2 ستكون ذات صلاحية كاملة، وهذا تحول مهم في الموقف الروسي الذي حاول، ان يلعب دوراً اقل انحيازاً للنظام السوري في اتفاق الكيماوي مع الولايات المتحدة من دون ان يخرج عن خطه العام في توفير فرص بقاء النظام، وقدرته على المناورة. بل ان تغييرات طرأت على موقف ايران الحليف والداعم الرئيس للنظام، واساس التغييرات، عمق وخطورة ما ذهب اليه النظام في استخدام سلاح تدمير شامل من الناحيتن السياسية والاخلاقية.
وكانت تحولات موقف داعمي النظام محدودة التعبيرات، مقارنة بمواقف الدول المناهضة، والتي بدا موقف بعضها شديد التغيير مثل المانيا وقد كانت بعيدة كل الوقت عن موقف واضح ضد النظام وسياساته وممارساته. وكذلك تحول بعض الدول لجهة بناء قوة سياسية عسكرية، تدعم ضربة عسكرية للنظام، تدفعه للذهاب الى جنيف2انتقالية، وذهاب رأس النظام والتوجه الى نظام جديد، وهو تطور لم تشهده اية فترة سابقة من تطورات القضية السورية.
ان تبدلات ما بعد مجزرة الكيماوي في القضية السورية في احد وجوهها غيرت كثيراً من المعطيات والمواقف حيال مجريات القضية السورية واطرافها، الامر الذي وضع القضية على سكة تطور جديد الابرز فيه سير العالم نحو لجم سياسة النظام ودعم مسار تغييره، وبالتالي دعم مسار التغيير الديمقراطي في سوريا، وان كان بتحفظ يعكس التخوف القائم من وصول التطرف الى السلطة في سوريا في حال سقوط النظام، وهو تطرف ساهمت السياسات السابقة والمتحفظة للمجتمع الدولي وعدم المبالاة في وجوده وتكريسه في خلال الفترة الماضية.