الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القضية السورية.. نهاية العام الثالث

القضية السورية.. نهاية العام الثالث

22.03.2014
د. رياض نعسان أغا


الاتحاد
الجمعة 21/3/2014
تحولت الثورة السورية إلى مأساة كبرى غير مسبوقة في التاريخ العربي، بل إن العالم يراها أخطر قضايا العصر، ويكاد يقف أمامها عاجزاً عن التقدم بأي حل عملي، وقد تجاوزت خطورتها ما حدث في نكبة فلسطين عام 1948 ونكسة عام 1967، بل إن ضحاياها تجاوزوا ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية وضحايا الحرب على العراق. وستكون الفجيعة أكبر إذا بقيت جراح القضية السورية نازفة، وإذا استمرت حلولها معطلة أو مؤجلة كما هو الأمر في أفغانستان والصومال، وقد بت أخشى أن تنتقل المطالبة السورية بعد سنين إلى حق اللاجئين في العودة كما يسعى الفلسطينيون منذ ستة وستين عاماً، وقد سمعت مقترحات عجيبة تدعو إلى توطين اللاجئين السوريين في الفواصل الحدودية بين سوريا وبين دول اللجوء، مع بقاء ملايين من السوريين مهجرين ومغتربين يبحثون عن ملجأ أو إقامة أو تأشيرة لجوء أو هروب. والخطر الأكبر تنامي أعداد الأطفال الذين حرموا من دخول المدارس بعد أن تجاوزوا السادسة من العمر، ومن حرموا من المتابعة. وتشير التقارير الدولية إلى أن نحو ستة ملايين طفل سوري هم اليوم بحاجة إلى المساعدة بعد أن زاد عدد المحتاجين للعناية بنسبة مليون ونصف مليون خلال السنة الماضية التي شهدت مزيداً من النزوح الجماعي في الداخل والبحث عن أماكن لجوء في الخارج.
وإذا كانت المنظمات الدولية تتحدث عن 150 ألف شخص فقدوا حياتهم جراء الصراع الدامي فإن العدد الحقيقي لا يزال مجهولاً ولا يستبعد أن يكون عشرة أضعاف الرقم المعلن لأن من قضوا تحت الأنقاض لم يتمكن أحد من انتشال جثثهم لعدم وجود آليات تساعد على إزالة الأنقاض، كما أن أعداد من قضوا من الجيش السوري ومن مقاتلي النظام لا يزال خارج الإحصاء. وكذلك عدد من هم بحكم المفقودين يتجاوز عشرات الآلاف فضلاً عن المعتقلين الذين لا يوجد إحصاء مؤكد لأعدادهم ولكنها تقدر بمئات الآلاف.
ولابد من الاعتراف بأن غالبية السوريين يشعرون بانسداد الأفق واليأس من ظهور حل ينهي تصاعد المأساة التي لا يتحملها قلب ولا عقل، وما يحدث من فواجع يفوق في وحشيته كل ما سبق في تاريخ الحروب وما ينشر في مواقع الإنترنت من مقاطع مصورة عن أساليب القتل والترويع والإرهاب يفوق ما حدث في البوسنة بل ما حدث في العصور الوسطى في حروب المغول والصليبيين على رغم ما يرافق المأساة السورية من تدفق إعلامي غير مسبوق أيضاً، ولكن الضمير العالمي الذي لم يتحمل رؤية أطفال الغوطة وقد قتلوا بأسلحة كيماوية محرمة فقد حيويته وسلم الأمر لمؤتمر جنيف، الذي انتهى إلى مزيد من اليأس والضياع.
ومع أن مؤتمر جنيف حقق بداية للدخول في حل سياسي، حيث جلس فريقا المعارضة والنظام في حوار يعني اعترافاً متبادلاً، إلا أن إصرار وفد النظام على تحويل المؤتمر من كونه مؤتمر حل للقضية السورية إلى كونه مؤتمراً لمكافحة الإرهاب جعل المؤتمر فرصة ضائعة.
ولا أحد ينكر دخول منظمات إرهابية على خط الثورة الشعبية التي بدأت سلمية وكان من الممكن احتواؤها بذات القرارات التي جاءت متأخرة ففقدت صلاحيتها، ودخول هذه التنظيمات أفقد الثورة كثيراً من التعاطف في الداخل والخارج، وكثير من السوريين يعتقدون أن هذه المنظمات اصطنعت كي تشوه الثورة، وتأخذ أهدافها بعيداً عن الإرادة الشعبية، وتجعل السوريين يخشون الوقوع في فخ استبداد ديني متطرف يشهر عليهم سيف التكفير ويدعو إلى قيام خلافة إسلامية لا أحد يضمن أن يظهر فيها عدل عمر رضي الله عنه، أو إخلاص علي كرم الله وجهه.
والداعون إلى الخلافة يظنون أنها الشكل الوحيد للحكم في الإسلام، وهم يعيشون خارج العصر، بل خارج التاريخ.
والمؤسف أن دعاة الدولة المدنية الديمقراطية لم يجدوا دعماً دولياً يمكنهم من تحقيق هدفهم، في حين وجد الإرهاب من يدعمه ويقدم له المال والسلاح، وسرعان ما ظهر أمراء الحرب، وتحول كثير ممن يفترض أنهم يدافعون عن حقوق الشعب في الحرية والكرامة إلى حكام كانتونات، وزاد الأمر سوءاً ما وقعت فيه المعارضة السياسية في الخارج من تعدد الولاءات بسبب تعدد مصادر الدعم وغياب صندوق موحد يلم الشمل، ودخل في المعارضة من يشتتون وحدتها، مما جعل كثيراً من السوريين المتابعين عبر قنوات التواصل يمعنون في هجاء المعارضة ويعلنون فقدان الثقة فيها، حتى إن كبار شخصيات المعارضة باتوا يشكون غياب قيادة لها.
وكان مفجعاً أن يتجه النظام إلى سياسة كسر العظم بدل أن يلتقط اللحظة المناسبة حين جاءت المعارضة إلى حل وسط في جنيف، ذلك أن قبول المعارضة والنظام وقواهما العسكرية بالتفاوض هو مفتاح الحلول مع الاعتراف المحلي والعربي والدولي بأن الحلول العسكرية غير ممكنة، وقد كنت ممن تفاءلوا بمؤتمر جنيف، لقناعتي بأن الحل العسكري الذي (رفضته من البداية، وكان نقطة اعتراضي وتحذيري من كونه سيقود البلاد إلى الدمار، وسيفتحها أمام قوى الإرهاب، وسيحولها إلى صراعات طائفية، وهذا ما حدث) لم يعد قادراً على الحسم في كلا الضفتين، ولابد من إيجاد حل سياسي، وكنت وما أزال أرى أن انفتاح حرب الفوضى في سوريا لا منتصر فيه ولا مهزوم، فحتى المنتصر سيكون مهزوماً أمام فظاعة ما سيرثه من مسؤوليات وكوارث، من أخطرها تفتت الوحدة الوطنية، فعلى صعيد شعبي تحتاج سوريا إلى سنوات من العمل الجاد لتضميد الجراح وإعادة بناء الثقة، ولا تستطيع القوة العسكرية ولا القتل والاعتقال أو التهديد به، ولا قرارات المصادرة التي تشهر على معارضي الرأي والتعبير، أن تؤسس لمصالحة وطنية.
إن غياب الحكمة في البحث عن حلول هو ذاته ما كان سبباً في سقوط سوريا في مستنقع الفوضى، وغرقها في طوفان الدم.
واليوم مع بدء السنة الرابعة على تصاعد الفجيعة والتغريبة السورية الكبرى، ننادي كل حكماء سوريا وكل مثقفيها وقواها البشرية إلى مؤتمر وطني عام يتدارسون فيه مستقبل بلدهم، فالحل لن يكون إلا من الداخل وبيد السوريين أنفسهم، وها نحن نرى تراجع الاهتمام الدولي بالقضية السورية، وتراجع الدعم الإغاثي، وإن لم يجد السوريون على الضفتين فرصة لحل سياسي ينقذ سوريا، فإن الكارثة ستصبح أكثر فجائعية وربما تتعرض لإهمال دولي خطير مع انشغال العالم بما يحدث في منطقة القرم.