الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القضية السورية في منظور المجتمع الدولي

القضية السورية في منظور المجتمع الدولي

25.04.2013
د. يوسف نور عوض

القدس العربي
الخميس 25/4/2013
كان العالم في الزمن الماضي مقسما إلى قسمين، كل منهما يعبر عن أيديولوجيته الخاصة، أما الدول التي كانت تسير وفق هذه الأيديولوجيات فقد كان يسهل التعامل معها بكون أغراضها كانت واضحة وتوجهاتها مدروسة، أما اليوم فإن الأمر أصبح مختلفا لأن الخطوط تداخلت ولم يعد يعرف الكثيرون – على وجه التحديد- مواقف تلك الدول، ويبدو ذلك واضحا بشكل جلي في الموقف من سورية التي تعاني أكبر مأساة إنسانية يواجهها شعب في العصر الحديث، ذلك أن مواقف سورية في الماضي كانت سهلة القراءة، لكن مواقفها اليوم تصعب قراءتها، وعلى الرغم من موت عشرات الآلاف بسبب العنف الذي توجهه الإدارة السورية نحو مواطنيها فإننا نجد صعوبة في قراءة المواقف الدولية من هذا البلد.
وفي البداية نلمح صورة الجامعة العربية بشكل واضح بكونها تقف عاجزة عما يجري في سورية، وليس ذلك لأنه بإمكانها أن تفعل شيئا ولم تفعله بل لأن الواقع السياسي واللوجستي يجعل من الصعوبة أن تلعب الجامعة العربية أي دور فعال في سورية، ذلك أن الدول التي تشكل الجامعة العربية مختلفة في تكويناتها ومواقفها السياسية مما يجري في ذلك البلد، كما أن الظروف الجغرافية تجعل من الصعب التدخل العسكري في سورية، وبالتالي فإن أي مساعدة يمكن أن تقدمها الجامعة العربية للشعب السوري تعتبر من المستحيلات، كذلك فإن التعويل على الموقف الدولي الذي لا يبدو واضحا كل الوضوح إلا في ظلال قليلة، يمكن أن ننظر إليه من زاويتين، أولا زاوية الدول التي تؤيد النظام السوري تأييدا واضحا، وزاوية الدول التي تزعم أنها تقف موقفا محايدا وتريد أن تجد مخرجا لما يجري في هذا البلد.
أما الدول التي تؤيد النظام السوري فهي روسيا والصين وإيران، وبكل تأكيد فإن موقف الصين وروسيا يعتمد على استراتيجيات قديمة عندما كان العالم مقسما إلى شرق وغرب، وفي ذلك الوقت كانت هاتان الدولتان تريدان مواضع قدم لهما في الشرق الأوسط وكانت سورية من أهم المواقع، كما كانتا تتبادلان معها الفوائد التجارية والاقتصادية خاصة ما يخص تجارة السلاح. ويختلف موقف إيران قليلا إذ يعتقد الكثيرون أن صمود النظام السوري في الوقت الحاضر يعتمد على ما تقدمه له إيران من دعم عسكري ولوجستي، أما لماذا تفعل إيران ذلك، فلأن الكثيرين يعتقدون أن الحرب في سورية ذات ملامح طائفية وأن إيران تنحاز للطائفة العلوية التي تحكم سورية.
أما المواقف الغربية فهي متباينة بكون معظم الدول الغربية تخشى من التدخل الواضح في الشأن السوري خوفا من حدوث مواجهة بينها وبين الدول التي تؤيد الموقف السوري، كما أن الدول الغربية لم تستطع حتى الآن قراءة الموقف السوري قراءة صحيحة لا سيما في ما يخص تأثير هذا الموقف على إسرائيل وتداعياته على دول المنطقة، وقد تأكد ذلك في المرحلة الأخيرة عندما حدثت تهديدات أمنية للبنان والأردن، وهو ما جعل الولايات المتحدة تظهر مواقف لا تخلو من وضوح بشأن الأردن خاصة بعد زيارة ملك الأردن المعلنة للولايات المتحدة، أما موقف الاتحاد الأوروبي فقد كان ظاهرا في مؤتمر أصدقاء سورية الذي عقد في اسطنبول بتركيا. وقد انطلقت فعاليات هذا المؤتمر يوم السبت العشرين من إبريل بعد لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب الذي استقال من منصبه. وقد حضر هذا الاجتماع عدد من وزراء الخارجية من مختلف بلاد العالم، وصرحت مصادر في المعارضة السورية قبل الاجتماع أنها تأمل في أن يكون المؤتمر نقطة تحول في مسار المعارضة السورية إذا وافقت الدول المشاركة على تسليحها، لكن الأمر جاء على غير ذلك إذ اكتفت الدول المشاركة بتقديم الدعم للمعارضة السورية على ألا يكون دعما يتركز على تقديم سلاح قاتل بعد تحذيرات من أن تصل الأسلحة القاتلة إلى أيدي جماعات متطرفة. وقد اكتفت الولايات المتحدة بتقديم دعم بقيمة مئة مليون دولار، ويتساءل الكثيرون ماذا يمكن أن يقدم هذا المبلغ الضئيل في مساعدة ما يعانيه الملايين من السوريين جراء هذه الكارثة الإنسانية، بل ويتساءلون لماذا لا تتخذ الولايات المتحدة موقفا ينهي جذور هذه المشكلة حتى لا يستمر تشريد الملايين من وطنهم ليعيشوا في مستقبل غير مضمون العواقب وقد اختلفت مواقف المعارضين والمؤيدين حول تطور الموقف الأمريكي، فقد قال المعارض السوري ‘كمال اللبواني’ في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم، إن المعارضة السورية لا تستطيع أن تقدم الضمانات التي يطلبها الغرب بسبب تعدد جماعات المعارضة وعدم قدرة المعارضة على السيطرة على جميع المناطق حتى الآن واختلاف مصادر الدعم العسكري .وقال صبحي غندور مدير مركز الحوار العربي في الولايات المتحدة إن المعارضة السورية لا تستطيع أن تقدم لأمريكا الضمانات التي تطلبها بسبب وجود كثير من جماعات المعارضة غير المتجانسة، أما المساعدة الإسمية التي قدمتها الولايات المتحدة للمعارضة فهي لمجرد إرضاء بعض أطراف المعارضة وبعض الدول الغربية، وفي مقدمها بريطانيا وفرنسا وكذلك لإرضاء بعض الدول العربية. وهو يرى أن الموقف الحقيقي للولايات المتحدة يتركز حول توحيد المعارضة من أجل إيجاد حل تفاوضي مع النظام السوري.
ويرى أن موقف الولايات المتحدة جعلها في موقف انتقاد من المعارضة السورية ومن موسكو ومن النظام السوري أيضا.
أما من جانب النظام فيقول عضو مجلس الشعب السوري شريف شحادة، ما الفائدة التي عادت بها مؤتمرات ما يطلق عليها مؤتمرات أصدقاء سورية ؟ ويقول إن هذه المؤتمرات لم تقدم للشعب السوري سوى السلاح القاتل، ويقول كذلك إن التسمية الصحيحة لمثل هذه المؤتمر هي ‘مؤتمرات أعداء الشعب السوري ‘. ونفى شحادة ما نسب إلى المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي الذي قال إن الرئيس بشار الأسد يرفض مبدأ الحوار مع المعارضة قائلا إن الرئيس الأسد هو أول من دعا إلى الحوار وقد أكد ذلك في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة تلفزيونية محلية أخيرا.
وإذا توقفنا عند ذلك كله برز لنا سؤال مهم وهو هل يمكن أن يكون الحوار مع الرئيس السوري حلا لهذه المشكلة، وهل سيقبل الشعب رئيسا قتل مئات الآلاف من أبنائه ليستمر في حكم البلاد، بل وهل يستطيع الشعب السوري أن يقول بعد اليوم إن رئيسه كان يشتري الأسلحة التي دفع ثمنها بعرق الشعب من أجل أن يواجه بها إسرائيل بينما هو قتل بها من أبناء الشعب السوري ما لا يحلم بقتله أي إسرائيلي في سياق معركة حقيقية بين الشعبين.
من خلال ذلك كله يتأكد لنا أن المشكلة السورية لا تنحصر في عملية الحوار، ذلك أن الحوار لم يعد مجديا في هذا الإطار، كذلك فإن تعقيدات الموقف السوري تلعب – من جانب آخر – دورا مهما في عرقلة المخرج الممكن لهذه القضية.