الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القطبية الثنائية الجديدة بين التحالف الأمريكي الروسي وبين الصين!

القطبية الثنائية الجديدة بين التحالف الأمريكي الروسي وبين الصين!

23.03.2016
د. أحمد القديدي


الشرق القطرية
الثلاثاء 22/3/2016
بعد التحالف الاستراتيجي بين العملاقين الأمريكي والروسي منذ توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني والتنسيق العسكري والسياسي حول الملف السوري والتوافق الخفي حول توازن الرعب في قضية أوكرانيا والقرم هل يمكن الحديث عن صدام بين القطبين الأمريكي والروسي؟ أم إننا بإزاء سوبر عملاق واحد هو العملاق (الأمري- روسي) فالسيدان (كيري) و(لافروف) أنهيا سنة 2016 سباقا خطيرا نحو التصادم ليتفقا على تقاسم العالم بسلام. ولكن واشنطن وموسكو لن تنعما بشهر العسل مادام العملاق الثالث النائم يفتح عينا بعد عين ويستيقظ كما تكهن به الوزير والمؤرخ الفرنسي (ألن بيريفيت) في كتابه الشهير (عندما تستيقظ الصين!) وأسعدني الحظ منذ أسابيع أن أتحدث مع وزير الخارجية الصيني السابق وبعده مع سفير الصين في الدوحة لأقول لهما: يا ليت الصين تستعيد دورها الكبير الذي لعبته لعقد مؤتمر (باندونغ) سنة 1955 الذي أنشأ مجموعة عدم الانحياز وشارك فيه (جمال عبد الناصر) عن العرب و(بروز تيتو) رئيس يوغسلافيا و(جواهر لال نهرو رئيس الهند) و(سوكارنو) رئيس إندونيسيا برعاية (شوان لاي) زعيم الصين.
اليوم نحن في حاجة إلى أن تلعب بكين دورها في مساندة حقوق الشعوب المستضعفة وتمنع تقسيم العالم بين قوتين متضامنتين من أجل استمرار النظام العالمي الجائر. ونذكر بأنه مباشرة بعد انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 وانطواء الصفحة الشيوعية من القارة الأوروبية بعد ما فرضته موسكو على مدى سبعين عاما على أوروبا كالطوق المضروب، كان العالم ينتظر كيف ستصير خارطة العالم؟ ومع تعملق القوة الأمريكية العظمى وانفرادها بالقرار والتدخل والمبادرة وحتى الحرب، أدرك الرأي العام الدولي أننا أصبحنا نعيش أحادية القطبية وأن الولايات المتحدة هي التي أنهت التاريخ على رأي مفكرها (فرنسيس فوكوياما) بإقرار الليبرالية واقتصاد السوق بصفة نهائية! ثم نظر المنظرون الأمريكان لحلول عصر صدام الحضارات فرشحوا الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية الكنفوشية للنزال مع الغرب وانتهى (صمويل هنتنجتن) إلى أن المصير الإنساني سيتقبل راضيا أو صاغرا هيمنة القوة الغربية لأنها مستقبله ولأنه يطمح إليها ولأنه لا مناص من توحيد العالم إلا تحت بيارقها! ثم على رأي هؤلاء أليس الغرب هو الذي كسب معارك التكنولوجيا الحديثة؟ أليست أمريكا هي التي أنقذت الدنيا من خطرين هددا وجود الإنسان وهما النازية والشيوعية؟ أليس الغرب هو السباق للعولمة يحطم بها الحدود وينقل بها الثقافات والناس والبضاعة؟ ولعل الجواب الأصوب عن هذه التساؤلات هو بنعم! ولكن الصعود السريع والمفاجأ للقوة الصينية بدأ يبعث الشكوك في الحقائق المسلم بها ويطرح على الساسة والمراقبين في العالم قضية منزلة الصين الجديدة في لعبة الأمم. كانت الأدبيات السائدة في عصر العولمة مابين 1989 و2001 أي ما بين سقوط جدار برلين وبين اعتداء 11 سبتمبر الإرهابي في قلب نيويورك وواشنطن هي أدبيات التفاؤل بعصر سيكرس مبدأ القرية العالمية الصغيرة الذي ابتكره المفكر/ مارشال ماك لوهان. لكن عصرا جديدا بدأ يشرق نوره (أو بالأحرى تتكاثف ظلماته) منذ 2001 إلى اليوم وهو عصر ما بعد العولمة حيث استيقظت الأمم على نواقيس أخطار أربعة أخرى لم تتوقعها إثر حربي الخليج وتدمير العراق وأفغانستان وإضفاء نعت الخلاقة على الفوضى وهي:
1- ظاهرة الإرهاب الذي يفجر حقائق منسية ويحرك ملفات مهملة.
2- ظاهرة تشابك قضايا المهجرين والبيئة وانتقال الأوبئة على الصعيد العالمي.
3- ظاهرة تدويل الأزمات الاقتصادية والنقدية منذ 2008.
4- ظاهرة تعفن الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط من خلال تحول العراق وسوريا واليمن وليبيا إلى بؤر للصراعات الطائفية وعدم وفاء إسرائيل بمستحقات خارطة الطريق.
في هذا الواقع الجغراسياسي المتقلب جاء مولد المارد الصيني يحمل خمسة آلاف عام من الحكمة والفلسفة وروح التضحية ولكن العملاق الحضاري والصناعي بقي صغيرا على ساحة الاستراتيجيات الدولية والدفاع عن القانون الدولي.
يتأمل خبراء الاتحاد الأوروبي اليوم عن طريق المؤتمرات والكتب الصادرة ووسائل الإعلام في هذه الحقائق الطارئة للبحث عن حلول أوروبية لهذه المعضلات الأربع إيمانا من الأوروبيين بأن لا دولة وحدها قادرة على استنباط الحلول بمعزل عن الصين وعن الاتحاد الأوروبي، وقرأنا هذه الأيام تحليلات لأشهر خبراء أوروبا من اليمين لليسار للوسط فاكتشفنا بأن الجسر الجامع بينها هو الخوف من ثنائية قطبية جديدة تحل محل الثنائية القديمة، الخوف من أن يفشل الاتحاد الأوروبي في أن يفرض نفسه كقوة عظمى موازية (وليست منافسة) للولايات المتحدة الأمريكية في عصر ما بعد العولمة، وهذا الخوف سببه ومنشؤه هو الصعود السريع الناعم للقوة الصينية التي بدأت بتهديد اقتصادات الغرب بسلاح مخزونها من الدولار والقوة الصناعية التصديرية في قطاع النسيج والتجهيزات الاتصالية والآليات التكنولوجية وحتى في مجال غزو الفضاء الذي كان مجال الاحتكار الأمريكي والروسي إلى التسعينيات، والعالم يدرك أيضا بأن الصين هي التي تتحكم في قوة إقليمية نووية منفلتة هي كوريا الشمالية التي تسلك سياسات تبدو في نظر العملاقين الأمريكي والروسي متهورة وصعلوكة ولكنها في الواقع لا تخرج من عباءة بكين راعيتها ومدللتها. ونتذكر كيف فرشت باريس للضيف المبجل السيد (وان جياباو) رئيس الحكومة الصينية السجاد الأحمر سنة 2005 وذلك لتوقيع صفقة تاريخية ببيع 150 طائرة من نوع إيرباص 320 وتوقيع عقد بين الشركة الفرنسية للطائرات العمودية/ يوروكوبتر لبيع مئات المروحيات على سنوات، ويبلغ حجم هذه العقود مبالغ تصل إلى أكثر من 25 مليار دولار. ورغم أن العقود تنص على عمليات نقل التكنولوجيا من فرنسا للصين فإن الصناعة الفرنسية والأوروبية عموما سوف تكون الرابحة في هذه الصفقات العملاقة مع ضمان الشغل للخبير والمهندس والمصمم والمصنع على مدى عشر سنوات كحد أدنى وكسب السباق المحموم الذي تلعبه إيرباص ضد منافستها بوينج الأمريكية، وهو سباق تجاوز مع الزمن حلبة المزاحمة الاقتصادية ليتحول إلى صراع سياسي واضح بين الولايات المتحدة وحليفها الاتحاد الأوروبي، ذلك الصراع الذي تجسد أيضا على الساحة النقدية العالمية بين اليورو القوي والدولار المتذبذب وانتهى سنة 2015 إلى انتصار للدولار.