الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القوى الإقليمية وإعادة ترسيم الحدود

القوى الإقليمية وإعادة ترسيم الحدود

29.10.2016
د. موسى شتيوي


الغد الاردنية
الخميس 27/10/2016
تم ترسيم الحدود الجغرافية للدول العربية والشرق الأوسط من قبل الدول الاستعمارية، وتحديداً بريطانيا وفرنسا من خلال اتفاقية سايكس-بيكو المشهورة. البعض كان يعتبر هذه الحدود مصطنعة، لكن البعض الآخر تمسك بها بوصفها حدوداً مقدسة بعد نشوء الدولة القُطرية. لكنها، بكل الأحوال، أصبحت الحدود الفعلية المعترف بها دولياً لأغلب دول المنطقة.
بعد مائة عام على الاتفاقية، وخمسة أعوام من الحروب والنزاعات الأهلية، يُعاد طرح السؤال مرة أخرى حول إمكانية المحافظة على هذه الحدود والمحافظة على الدول القائمة بموجبها دولياً.
قبل مائة عام، عند ترسيم حدود الدول والمنطقة من قبل خبراء الدول الاستعمارية، لم يكن للاعبين الإقليميين والمحليين دور كبير في ترسيم تلك الحدود؛ فتم فرضها على سكان المنطقة من دون أن يكون لهم رأي حاسم فيها، وكان الترسيم يخدم مصالح الدول الاستعمارية في حينه.
لم تتغير الحال كثيراً اليوم، فالاعتقاد السائد أن هناك مخططاً استعمارياً جديداً، وأن هناك اختلافاً بين الدول على إعادة ترسيم حدود المنطقة بما يخدم مصالحها. وجهة النظر هذه تقول إن بعض الدول العربية الرئيسة كانت تقف عائقاً يحول دون تحقيق الدول الاستعمارية وإسرائيل لمصالحها بالمنطقة. وعليه، فإن المخطط هو تفتيت هذه الدول الكبيرة والمهمة وتحويلها إلى دويلات أو دول أصغر حجماً وأقل قوة، ما يؤدي الى تلاشي مخاوف الدول الاستعمارية من قدرة هذه الدول على عرقلة مصالحها أو تهديد إسرائيل.
ومن غير الحكمة استبعاد هذا السيناريو، بخاصة أن ثمة تسريبات عديدة حول وجود هكذا مخطط، مدعم بخرائط معينة تدل على تقسيم أغلب هذه الدول، وتوسع بعضها. بالإضافة لذلك، يطل علينا بين فترة وأخرى عدد من المسؤولين الغربيين الحاليين أو السابقين ليؤكدوا أن خيار التقسيم ليس مستبعداً، لا بل إنه خيار مطروح وقوي.
والمراقب لتطور الصراعات الداخلية التي تأخذ بُعداً إقليمياً أيضاً، يُدرك حجم التغيير في الخريطة السياسية الذي حصل نتيجة لهذه الصراعات على أرض الواقع. وبرغم أن التقسيم ليس قدراً، فإن هناك قوى محلية وإقليمية، وبالطبع دولية، باتت لها مصلحة في تغيير تلك الحدود.
الحروب الدائرة في دول الإقليم فتحت شهية الدول الكبرى والدول الإقليمية لتحقيق أطماعها في الدول المجاورة. والمُراقب للسياسة والتحركات التركية يُدرك الأطماع التركية في كل من سورية والعراق. وتحالف أنقرة مع بعض القوى السنية في شمال سورية، وتدخلها العسكري، بالتأكيد ليسا لمحاربة الإرهاب كما تدعي، وإنما لتقضم جزءا من الأراضي السورية وضمها لتركيا. كذلك الحال بالنسبة للعراق، فهي تحاول، بشكل محموم، التدخل العسكري في شمال العراق، بخاصة في معركة الموصل ضد "داعش"، لكن الهدف الرئيس هو السيطرة على مناطق سنيّة في شمال العراق.
أيضاً، فإن إيران الدولة الإقليمية الكبرى الثانية تواصل التمدد في دعمها للحركات الشيعية في العراق وسورية بحجة الدفاع عن الشيعة أو الدول الصديقة. لكن الهدف الحقيقي هو خلق ظروف تسمح لها بمد سيطرتها على بعض المناطق، وبخاصة في العراق وسورية، لاسيما إذا حصل تقسيم لهذه الدول.
كما شكلت هذه النزاعات فرصة للأكراد لمحاولة إقامة دولة أو دويلات لهم. يتجلى ذلك بشكل واضح في العراق، وبدرجة أقل في سورية؛ إذ تسيطر قوات البيشمركة على إقليم كردستان في شمال العراق، وتلعب دوراً رئيساً في معركة الموصل. والشيء نفسه ينطبق على "قوات سورية الديمقراطية" التي تحاول إحكام سيطرتها على مساحات شاسعة في شمال سورية.
الشئ الأكيد نتيجة للصراعات والنزاعات في سورية والعراق وغيرهما، أن الدولة المركزية هناك لم تعد تُسيطر على أراضيها وحدودها كافة. هذا بدوره أفسح المجال للقوى الإقليمية والدولية والمحلية لأن تجدد أطماعها، وتحاول توسيع نفوذها في الدول المجاورة، إما بالسيطرة الفعلية من خلال قضم الأراضي وضمها لاحقاً، أو من خلال مد نفوذها بالتعاون مع الفرقاء المحليين. والغائب الرئيس عن كل ذلك هو الدول العربية التي أثبتت عجزها عن منع هذه الأزمات أو المحافظة على دولها بشكل متماسك.