الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القيصر يتهيّأ لخطوة أوسطيّة

القيصر يتهيّأ لخطوة أوسطيّة

20.09.2015
الياس الديري



النهار
السبت 19/9/2015
من حظ لبنان، والعالم العربي بصورة عامة و"قضيّة العرب الأولى" بصورة خاصّة، وسواقي الدم التي تروي أنقاض المدن التاريخيّة، أن يصير في المنطقة موطئ قدم للوجود الروسي، موطئ بارجة، موطئ قاذفة، أو موطئ قاعدة بيرق.
 
بل، من حظّ الشرق الأوسط البائس، المبعثر، الدائم التعثّر، أن يُتاح للروسيا العظمى مجال الإقامة في ربوعه، بكل ما تمثّله من قيم وتقاليد عريقة.
عندئذ، فقط، يصير في الإمكان التصريح براحة بال وطمأنينة أن لبنان يسند ظهره إلى دولة كبرى، مستقيمة في أقوالها وأفعالها، تحترم نفسها والآخرين، تحترم صداقاتها وعلاقاتها ووعودها وتواقيعها.
تماماً عكس كل ما تمثّله أميركا من لا ثقة، ولا صدقيّة، ولا صداقة، ولا التزام، ولا أمان لوعد أو موعود، ولا وفاء لاتفاق.
الروسيا في الشرق الأوسط؟ إذاً، نقطة أول السطر.
عاجلاً أم آجلاً، اليوم أو غداً، الوجود الروسي السياسي والعسكري في هذه المنطقة السائبة في وجه إسرائيل وعدائها وعنصريتها بات ضروريّاً للغاية.
في كل حال، لم يعد الكلام في هذا الصدد مجرّد استنتاجات، أو احتمالات تستند إلى القاعدة المتواضعة والراسخة في القدم، التي أتاحتها سوريا في إحدى خاصرات شاطئها لهذه الروسيا، إنما استناداً إلى ما ترجمه القيصر فلاديمير بوتين على أرض الواقع. وحديثاً، من فوّهات المدافع وأجنحة المقاتلات وترسانات الأسلحة الثقيلة براً وبحراً وجواً.
ومن منطلق واضح وثابت مفاده أن هذه المنطقة، التي تعيث فيها أميركا وإسرائيل فساداً وتخريباً وتقسيماً وتشويهاً، آن لها أن تُمنح فرصة تلملم خلالها أطلالها، وتعيد صياغة ذاتها على أسس وقواعد جديدة تليق بالعالم العربي، والتاريخ العربي.
من الطبيعي أن يغتنم القيصر بوتين فرصة "تيهان" السياسة الأميركية في كل الشرق الأوسط، ليحفر للروسيا أوتوستراداً واسعاً وعميقاً عبر سوريا، وإلى محطات جاهزة في العالم العربي، وحتى إزاء إيران وإسرائيل.
يخطئ الإعلام الغربي عندما "يصغّر" حجم الخطوة الروسيّة على الصورة المتواضعة التي رسمتها الجريدة الفرنسيّة الرصينة "الموند"، وحين تعتبر أن بوتين "استغلّ تناقضات السياسة الأميركية ليفاجئ العالم ويعلن تدخله العسكري في سوريا".
فخطوة القيصر لا تقتصر على تدخّل عسكري عابر... وكان الله يحب العابرين. ولا يريد أن يقتصر مشروعه على "حفظ مكان لروسيا مستقبلاً في سوريا". بل أنه يتطلّع بوضوح وثقة إلى توسيع رقعة وجوده، وامتداد نفوذه في الشرق الأوسط.
وسيغنّي بوتين موّاله في التوقيت المناسب، وعندما يصل الرصيد المتبقّي للسياسة الأميركيّة في المنطقة إلى خانة الصفر.