الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الكارثة الإنسانية في سورية و"جنيف2"

الكارثة الإنسانية في سورية و"جنيف2"

09.11.2013
د. موسى شتيوي


الغد الاردنية
الخميس 7/11/2013
لعل التركيز على المأساة الإنسانية في سورية في المرحلة السابقة، والمتمثلة في نزوح أكثر من مليوني مواطن سوري إلى دول الجوار، له ما يبرره، لاسيما أن التدفق الكبير للاجئين وما يمرون به من ظروف صعبة في بعض دول الجوار، كان مقلقا للرأي العام. وعليه، فإن كل الجهد الدولي كان منصباً على تقديم المساعدات، والتعامل مع الاحتياجات الرئيسة لهؤلاء اللاجئين.
لكن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية لم يعطيا الاهتمام الكافي للأبعاد الإنسانية للصراع داخل سورية نفسها، وهي أبعاد متعددة. فبحسب التقارير الدولية، تجاوز عدد المهجرين السوريين نتيجة المعارك الدائرة هناك ثلث سكان سورية، أي ما يقارب ثمانية ملايين نسمة، منهم الأطفال، والنساء، والشيوخ. ومن أخطر النتائج العميقة لهذا التهجير، عودة بعض الأمراض السارية التي تم القضاء عليها قبل أكثر من ثلاثين سنة في سورية، مثل الكوليرا، والتهاب الكبد، والكبد الوبائي، وغيرها. يضاف إلى ذلك عدم توافر الأدوية والخدمات الصحية؛ ليس فقط للمهجرين وإنما أيضاً لباقي المواطنين السوريين.
والأخطر من ذلك بالنسبة للوضع الصحي، هو انهيار المنظومة الغذائية، وبخاصة تلك المرتبطة بالزراعة، وتربية الماشية، والتي تشكل الجدار الخلفي الواقي للوضع الصحي. يضاف إلى ذلك، المأساة الإنسانية الواقعة على بعض الفئات، كالنساء نتيجة فقدان الزوج، وغياب أرباب الأسر، واليتم بالنسبة للأطفال، وما يتصل به على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو النفسي.
المؤلم حقاً في هذه المأساة هو أنها لا تحظى بالاهتمام، أو بالاهتمام الكافي من جانب الأطراف المحلية المتنازعة، بما فيها السلطة والمعارضة؛ ولا من جانب الدول الإقليمية التي كان جلّ اهتمامها متركزا على الصراع على السلطة، من دون أي اكتراث بالكارثة الإنسانية. فالنظام في سورية لا يكترث بالبعد الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة؛ والمعارضة المسلحة لا تشكل إطاراً سياسياً رحباً لدخول المساعدات الطبية والإنسانية من جانب الجهات الدولية، علاوة على المخاطر المترتبة على حياة العاملين في مؤسسات الإغاثة الدولية. وإمكانية إيصال المساعدات لا يمكن أن تتحقق من دون تعاون الأطراف المتصارعة مع الجهات المعنية، وهذا غير متاح الآن، لأن كل طرف ينكر وجود الآخر ويرفض التعامل معه.
كذلك، يبدو أن الكارثة الإنسانية ليست على أجندة القوى الدولية التي تحاول عقد مؤتمر "جنيف2"؛ إنما جلّ اهتمامها يتركز على البُعد السياسي لحل النزاع السوري، وعلى أهمية ذلك للأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي. مع أن البُعد الإنساني للأزمة لا يقل أهمية عن البُعد السياسي، وبخاصة من منظور الشعب السوري الذي تتصارع الأطراف للسيطرة عليه، ويشكل الضحية الكبرى لهذا الصراع.
بالطبع، النظام غير مهتم بطرح هذا الموضوع في "جنيف2". وللأسف، يبدو أن المعارضة غير مهتمة بذلك أيضاً. وحقيقة الحال أنه لا يمكن اختزال الصراع في سورية في البعد الإنساني، لكن تغييبه يشكل وصمة عار على المجتمع الدولي والإقليمي والسوري أيضاً. والأكثر مأساوية في عدم طرح هذا الموضوع على أجندة "جنيف2" هو الغياب المريب للمنظمات الإقليمية، كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي اللتين من الممكن أن تكونا جهات معقولة ومقبولة لكل الأطراف للتصدي لهذه الكارثة الإنسانية.
يبدو أن السياسة تطغى على البُعد الإنساني في الصراع الدائر في سورية بالنسبة للأطراف المعنية كافة، وأن الفرصة لمعالجة هذا الموضوع في مؤتمر "جنيف2"، في حال انعقاده، لا تبدو واردة. ويبدو أن الشعب السوري ودول الجوار، وبخاصة الأردن ولبنان، سوف يستمرون في تحمل النتائج الكارثية الإنسانية للأزمة السورية إلى أجل غير مسمى.
mousa.shtaiwy@alghad.jo