الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الكيسنجرية الجديدة" مع إيران!

"الكيسنجرية الجديدة" مع إيران!

20.11.2014
محمد خلفان الصوافي



الاتحاد
الاربعاء 19-11-2014
إذا استمر مراقبو التطورات السياسية في المنطقة بالاعتقاد وبناء فرضيات بأن مسألة توصل إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق حول الملف النووي أمر لا يمكن الوصول إليه، مراهنين على سيطرة الجمهوريين على الكونجرس الأميركي، فإني أعتقد أنهم لم يتعلموا من دروس سياسة التعامل الأميركي الإيراني حتى خلال فترة الجمهوريين في أكثر من موقف سابق، مثل أفغانستان والعراق وقبله "إيران جيت" في عهد رونالد ريجان.
وما يؤكد حديثي أن هناك رغبة مشتركة باتت واضحة من الطرفين في الخروج من سياسة "عنق الزجاجة" التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود.
احتمالات التمديد والتأجيل واردة، وهي أحد أساليب دبلوماسية المفاوضات، وإيران من الدول التي تجيد "دبلوماسية النفَس الطويل"، لكن كل المؤشرات تبين وجود رغبة جماعية، ليس بين الاثنين فقط، ولكن أيضاً لدى أوروبا وبعض دول المنطقة، في إيجاد صيغة للتفاهم بين الجانبين.
ومن الناحية النظرية يصعب التوصل إلى اتفاق نهائي بين البلدين خلال الأسبوع المقبل، حيث الموعد المحدد بين البلدين، وهو 24 نوفمبر الحالي، لأسباب كثيرة، أهمها سيطرة الجمهوريين على الكونجرس، وهم يريدون الضغط على الديمقراطيين لتأكيد فشلهم.
إن خلاف الجمهوريين مع إيران، في الحقيقة، ليس في الاتفاق كـ"مبدأ"، وإنما في حجم التنازلات التي يفترض الحصول عليها، والمزاج العام في مراكز صنع القرار العالمي بات مستعداً للانفتاح على إيران.
وإذا كان بعض المحللين يسوّقون لصعوبة التوصل إلى الاتفاق، فإن في السياسة كل شيء وارد وقابل للتغير، خاصة في ظل وجود "ملفات مفتوحة" في المنطقة، مثل "داعش" والوضع في العراق وسوريا.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن هناك رغبة شخصية لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما كي يحقق أي إنجاز تاريخي لإدارته، بعدما تسبب في الفشل في الكثير من الملفات.
ومثله كاترين آشتون، ممثلة الاتحاد الأوروبي، فهي الأخرى تبحث عن نجاح شخصي لها، والملف الإيراني يُعدّ فرصة مناسبة للاثنين.
وربما سلطنة عمان التي تقود المفاوضات هي الأخرى تراهن على تسجيل نجاح دبلوماسي عالمي لها، حين نستذكر التجارب التاريخية بين البلدين، ونستوعب "النشاز السياسي" فيما كان يتم بينهما على مر تاريخ العلاقات السياسية بينهما، ندرك أن الأمر لن يكون بعيداً عن تحقيق "الخلاص". فمع وجود القبول الأميركي لمشاركة إيران في مواجهة الحركات المتطرفة في المنطقة، بعدما تأكد أن كثيراً منها تدار من قبل إيران، فإن هذه الأخيرة لا تمانع هي الأخرى في وجود قوات برية أميركية في العراق، بمعنى أن هناك تبدلاً في عقلية كل طرف من الآخر، وبالتالي بات الخلاف قابلاً للتفكيك "وإذابة الجليد" فيه.
يبدو أن كل الأطراف المشتركة حريصة على عدم خسران الفرصة، وعلى تجنب استفزاز الآخر، ما يعني أن الرغبة في الانفتاح ستبقى مستمرة أملاً في حدوث أي تبدل في المواقف المتشددة من الطرفين: الولايات المتحدة في الملف النووي، وإيران في رفع العقوبات الاقتصادية عليها.
البناء المنطقي في تحليل العلاقات التاريخية بين البلدين يصطدم بالواقعية السياسية الأميركية، والإيرانية أيضاً.
والثابت في التعامل بين البلدين، حتى في أوج الخلافات بينهما، أنه "لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم، لكن هناك مصالح دائمة". وهذا يعطينا مبرِّراً للاعتقاد بأن السياسة الأميركية لا يصنعها شخص، سواء الرئيس أو غيره، وإنما هو منفذ لها، كما يجعلنا نعتقد أن النظام الإيراني، من أجل إنقاذ نفسه، يتخطى مفهوم "الشيطان الأكبر"، إذن من المخاطرة اختصار ما عرف بالصفقة على فترة أوباما أو بالظروف التي تمر بها رئاسته.
ولو فكرنا بدبلوماسية "البنج بونج" التي قادها كيسنجر مع الصين في سبعينيات القرن الماضي، والتي سعت إلى إيجاد توازن جيوسياسي في العالم، فإن الأمر لن يكون بعيداً عن ما يتم الآن.
وإذا كانت العقدة الأساسية من المرشد الأعلى الإيراني، فإنه هذه المرة يحاول أن يكون مرناً قياساً لما كان.
وعلى ضوء ذلك فالقلق الخليجي من الرسائل السرية ومن كتمان الاجتماعات، قلق مبرَّر؛ لأن الأمر قد تتبعه إعادة تنظيم الملفات الإقليمية، بما يمنح إيران مكافأة أميركية على سلوكها.